زهيرا بتجنبها أن يدخل بعض الكلام فيما ليس من جنسه ، قال : وما أعرف ذلك إلا فاحش الاستعارة ، مثل قول أوس بن حجر :
وذات هدم عار نواشرها |
|
تصمت بالماء تولبا جدعا (١) |
فسمى الصبي تولبا ؛ والتولب : ولد الحمار ، ومثل قول الآخر :
وما رقد الولدان حتى رأيته |
|
على البكر يمريه بساق وحافر (٢) |
فسمى رجل الإنسان حافرا.
وهذا ليس من المعاظلة التي هي ركوب بعض الكلام بعضا ومداخلة بعضه في بعض. والصحيح من تمثيل ذلك ما ذكره أبو القاسم الآمديّ (٣) وهو قول أبي تمام :
خان الصفاء أخ خان الزمان أخا |
|
عنه فلم يتخوّن جسمه الكمد (٤) |
لأن ألفاظ هذا البيت يتشبث بعضها ببعض ، وتدخل الكلمة من أجل كلمة أخرى تجانسها وتشبهها ، مثل : خان وخان ، ويتخوّن ، وأخ وأخا ، فهذا هو حقيقة المعاظلة.
وكذلك قول أبي تمام أيضا :
يا يوم شرّد يوم لهوي لهوه |
|
بصبابتي وأذلّ عزّ تجلّدي (٥) |
__________________
(١) هذا البيت من قصيدة له في رثاء فضالة بن كلدة.
والهدم : الثوب البالي ، والنواشر : عروق باطن الذراع ، وجدعا : سيىء الغذاء. ديوانه ٥٥ ، المعاني الكبير ٤١٢ ، ١٢٤٨ ، أمالي القالي ٣ / ٣٥ ، مجالس العلماء للزجاجي ١٤ ، المصون في الأدب ٩٢١ ، الخصائص ٣ / ٣٠٦ ، أسرار البلاغة ٤٤ ، ٤٥ ، المقرب ١١٧ ، نقد الشعر ١٧٦.
(٢) لمزرّد في أسرار البلاغة ٤٣ ، ولجبيهاء الأشجعي في حماسة ابن الشجري ٢٨٥ ، ولسان العرب (حفر).
(٣) الموازنة ١ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥ ، ورواية الديوان ٤ / ٧٤ :
خان الصفاء أخ كان الزمان له |
|
أخا فلم يتخوّن جسمه الكمد |
(٤) لم يتخون : لم ينقص. وانظر «ديوانه» ص ٣٥٢ ، وقد جاء : خان الزمان له أخا ... ، وليس كما هو مثبت.
(٥) «ديوان أبي تمام» ٢ / ٤٥ ، وتقديره : يا يوم شرّد لهوه بصبابتي يوم لهوي ، وأزال صبري.