وقد سمى أصحاب صناعة الشعر هذا المعنى الإيغال وأرادوا بذلك أن الشاعر يوغل بالقافية في الوصف إن كان واصفا ، وفي التشبيه إن كان مشبّها.
ويجب أن تعلم أن هذا الموضع من حشو البيت شديد المراعاة لأجل أنه القافية ، فإذا وقعت فيه الإصابة أو الخطأ كان أظهر لهما إذا وقعا في كلمة من متن البيت ، لما يختص به هذا الموضع من فضل العناية ، إذ كان متميزا بالقصد مما هو طرف وقافية.
وعلى هذا يقع الأمر أيضا في السجع من الكلام المنثور ، وكثيرا ما يتعذر على مؤلفه القرينة فيتحمل الكلام تحملا شديدا ، ويأتي بمعان خارجة عن غرضه ، حتى يظفر بالسجعة بعد تعب ، ويكون معها بمنزلة من يطلب شيئا يصيده ، فهو يجدّ في الطلب ، والمقصود يجتهد في الهرب ، ويجيء من هذا اختلاف الفصول في الطول والقصر ، لأنه يحتاج في طلب القرينة إلى إطالة الفصل حتى يزيد على ما قبله زيادة فاحشة ، وهذا عيب ظاهر في أكثر من ينتحل صناعة الكتابة في زماننا هذا ، وقد سنّ الكتاب المتقدمون من تجنب السجع في أكثر كلامهم سنة لو اعتمدت لو جدت فيها الراحة من هذا العارض ، لأنهم إذا كانوا لا يحفلون بالسجع فالواجب اطراحه في الموضع الذي يكون متكلفا نافرا ، فأما الشعر فلا مندوحة عن القافية ، فإن تعذرت في البيت فليس غير ترك ذلك البيت رأسا ، وسيأتي الكلام في هذا الباب إذا صرنا إلى ذكر التناسب في الألفاظ بمشيئة الله وعونه.
فأما زيادة ـ ما ـ في قول الله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥] فإن لها هنا تأثيرا في حسن النظم ، وتمكينا للكلام في النفس ، وبعدا به عن الألفاظ المبتذلة ، فعلى هذا لا يكون حشوا لا يفيد ، وأهل النحو يقولون : إن ـ ما ـ في هذا الموضع صلة مؤكدة للكلام ، وقد يكون التوكيد عندهم بالتكرار كما يكون بالعلامة الموضوعة له ، وإذا أفاد للكلام شيئا فليس من الحشو المذموم ، لأن حقيقة الحشو هو الذي يكون دخوله في الكلام وخروجه على سواء ، وإنما الغرض به إقامة الوزن في الشعر. أو ما