فإنه لما أتى على التشبيه قبل القافية واحتاج إليها جاء بزيادة حسنة في قوله : لم يثقب ؛ لأن الجزع إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون.
وكذلك قول زهير بن أبي سلمى :
كأن فتات العهن في كل منزل |
|
نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم (١) |
فقوله : لم يحطّم في هذا البيت مثل : لم يثقب في البيت الذي قبله.
وروى أبو الفرج قدامة بن جعفر عن محمد بن يزيد المبرّد عن التوّزي ، قال : قلت للأصمعي : من أشعر الناس؟ فقال : من يأتي إلى المعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا ، أو الكبير فيجعله بلفظه خسيسا ، أو ينقضي كلامه قبل القافية فإذا احتاج إليها أفاد بها معنى ، قال : نحو من؟ قال : نحو ذي الرّمّة حيث يقول :
قف العيس في أطلال ميّة فاسأل |
|
رسوما كأخلاق الرداء (٢) |
فتمّ الكلام. ثم قال : المسلسل ، فزاد شيئا ، ثم قال :
أظن الذي يجدي عليك سؤالها |
|
دموعا كتبديد الجمان (٣) |
فتمّ كلامه. ثم قال : المفصل ، فزاد شيئا ، قال : قلت : ونحو من؟ قال : الأعشى حيث يقول :
كناطح صخرة يوما ليفلقها |
|
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل (٤) |
فزاد معنى ، قال : قلت : وكيف صار الوعل مفضلا على كل ما ينطح؟ قال : لأنه ينحط من أعلى الجبل على قرنيه فلا يضيره (٥).
__________________
(١) «ديوان زهير بن أبي سلمى» ص ١٠٥.
(٢) «ديوان ذي الرمة» (ص ٢٢٥) وفي المطبوع صدر البيت : رسوما كأخلاق الرّداء المسلسل.
(٣) «ديوان ذي الرمة» (ص ٢٢٦) في المطبوع صدر البيت : دموعا كتبذير الجمان المفصّل.
(٤) «ديوان الأعشى» ص ١٣٤.
(٥) نقد الشعر لقدامة بن جعفر ، ص : ١٧٠.