إنما ذكر الصباح من غير أن يراد به معنى الصباح لأنهم بمنزلة من أصبح على أسو أحال ، وذلك لأن أكثر ما يكون من هيجان الإعلال بالليل ، فيؤمّل لصاحبها حسن الحال عند الصباح ، فإذا كان الضد من ذلك حصل على الهلاك ، فلم يرض أبو الحسن أن تقع ـ أصبح ـ في كلام الله تعالى حشوا ، بل تأوّل ذلك كما يتأوله مثله ، وفي ضمن قوله الشهادة بما ذكرناه والإذعان له ، فإن قال قائل : كيف يمكنكم أن تقولوا هذا؟ وعلى الصحيح من مذاهبكم أن دليل الخطاب عندكم ليس بحجة ، وأن تعليق الحكم باسم أو صفة أو شرط أو غاية لا تدل على انتفائه بانتفاء ذلك؟ وإذا كان هذا قولكم فليس في قول القائل : أصبح السكر حلوا ، دليل على أنه لم يمس كذلك ، كما زعمتم أن ليس في قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «في سائمة الغنم الزكاة» (١) دليل على أن المعلوفة لا زكاة فيها ، ولا يمتنع عندكم أن يقال : في سائمة الغنم الزكاة ، وإن كانت واجبة في معلوفتها ، فكذلك لا يقبح أن يقال : أصبح العسل حلوا ، وإن كان قد أمسى أيضا بهذه الصفة ، قيل : الجواب عن هذا السؤال أن الفرق بين ما نجيزه من تعليق الحكم بصفة وثبوته لما انتفت عنه تلك الصفة في مثل قوله عليهالسلام : «في سائمة الغنم الزكاة» وبين ما نكرهه من قول القائل : أصبح السكر حلوا ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم إذا قال : «في سائمة الغنم الزكاة» فليس مراده أن يبين لنا حال المعلوف هل تجب فيها الزكاة أم لا؟ بل هي مسكوت عنها ، فتجوّز فيها ما كنّا نجوّزه في السائمة قبل هذا القول ، وليس كذلك قول القائل : أصبح العسل حلوا ، لأنه يريد حلوا في كل حال من صباح أو مساء ، فلذلك كان ذكر الصباح حشوا ، ومثله في مسألتنا أن يكون صلىاللهعليهوسلم يقصد أن يبين لنا حال الزكاة في الغنم جميعها السائمة والمعلوفة ، ثم يقول : «في سائمة الغنم الزكاة» فإنا نقول : إن هذا اللفظ غير موافق للمقصود ، إذ كان لا يعطينا تصريحه ولا فحواه في المعلوفة حكما ، كما قلنا : إن من أراد أن يصف لنا العسل بالحلاوة في جميع الأوقات ثم قال : أصبح العسل حلوا ؛ فإنه قد أتى بأصبح حشوا لغير فائدة ، فبان الفرق بين الأمرين.
__________________
(١) أبو داود (١٥٦٧) و (١٥٦٨).