وأما الكلمة التي تقع حشوا غير مؤثرة فأمثلتها كثيرة موجودة في النظم والنثر ، ومنها قول أبي تمام :
جذبت نداه غدوة السبت جذبة |
|
فخرّ صريعا بين أيدي القصائد (١) |
لأن قوله : (غدوة السبت) حشو لا يحتاج إليه ، ولا تقع فائدة بذكره ، ومن ذا الذي يؤثر أن يعلم اليوم الذي أعطى الممدوح فيه أبا تمام؟ وأي فرق بين أن يقع عطاء في يوم السبت أو الأحد أو غيرهما من الأيام؟ وما بقى عليه شيء إلا أن يخبر بتاريخ ذلك الوقت ، وموضع ذلك اليوم من الشهر.
فمثل هذا وأشباهه الحشو الذي يقع ولا تعرض في ذكره فائدة إلا ليصح الوزن ، وهو عيب فاحش في هذه الصناعة ، وما أكثر ما تستعمل : أمسى وأصبح وأخواتها ؛ في هذا الموضع من الحشو ، ويجب أن تعتبر ذلك بأن تنظر الفائدة فيه ، فإن كان الأمر الذي ذكر أنه أصبح فيه لم يكن أمسى فيه فالفائدة حاصلة ، وإن كان الأمر بخلاف ذلك فهو حشو لا يحتاج إليه ، فاعتبار الفائدة فيه هو الأصل الذي يرجع إليه ، ويعول على النظر من جهته ، ومثال ذلك أن يقال : أصبحنا مغيرين على بني فلان ؛ فإن موقع ـ أصبحنا ـ في هذا الموضع موقع صحيح ، لأنهم لم يكونوا أغاروا عليهم في وقت المساء ، ومثل ذلك قوله تبارك وتعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) [الأعراف : ٧٨]. لأن الأمر لم يطرقهم إلا ليلا ، فأمّا لو قال قائل : أصبح العسل حلوا ، لكان قوله : أصبح حشوا ، لأنه قد أمسى كذلك ، ويدل على صحة هذا واعتبار العلماء له ما ذكره أبو الحسن على بن عيسى الرّماني في كتابه المعروف ب «الجامع في علم القرآن» ، فإنه قال في قوله تعالى : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) [المائدة : ٥٣].
__________________
(١) سبق تخريجه ص ١٣٩.