فإن زعم زاعم أن أبا الطيب قصد بقوله : الأستاذ تقريع كافور بذلك ونقصه كما كان يقصد ذلك بذكر سواده ، فإن أبا الطيب قال : كان كافور الأخشيدي يشقّ عليه أن يعرّض له بالسواد ، فكنت أعتمد معه في كل قصيدة ذكر سواده ، حتى قلت فيه : بشمس منيرة سوداء (١). وقلت :
سوابق خيل يهتدين بأدهم (٢)
وغير ذلك مما هو موجود في المديح لكافور. فلعمري إن هذا القول مروي عن أبي الطيب ، لكنا إذا تكلمنا على المديح وما يجب أن يكون مبنيا عليه من التعظيم للمدوح ، لم نعرّج على ما يقصده المادح من منافاة هذا الغرض ، إذ كان هذا بخلاف ما هو بصدده وقاصده ، وليس يكون فيه أكثر من عذر المادح ، وأنه لم يخف ما يجب عليه ، وإنما قصده ، وتعمده ، فأما أن يكون ذلك سببا لصحة الكلام في نفسه فلا ، ونحن إنما نتكلم على ذلك.
فأما قول أبي الطيب أيضا :
فلا فضل فيها للشجاعة والندى |
|
وصبر الفتى لو لا لقاء شعوب (٣) |
فإن الندى هاهنا حشو يفسد المعنى ، وذلك أن مقصوده أن الدنيا لا فضل فيها للشجاعة والصبر لو لا الموت ، لأن الشجاع إذا علم أنه يخلدّ فأي فضل لشجاعته؟
__________________
(١) وتمام البيت :
تفصح الشمس كلّما ذرّت الشمس |
|
بشمس منيرة سوداء |
وانظر «ديوانه» (٢ / ٢٢٢).
(٢) وتمام البيت :
فدى لأبي المسك الكرام فإنها |
|
سوابق خيل يهتدين بأدهم |
وانظر «ديوانه» (٢ / ٢٠٨).
(٣) «ديوان المتنبي» (٢ / ٧٣).