يفيده العلم بصناعة نقد الكلام المؤلف ، وفهم النظم والنثر ، كما أن من المتقدمين في هذا العلم من يجهل أول ما يجب على العاقل فضلا عما تجاوزه ، ونعوذ بالله من تعاطي ما لا نحسنه ، ونسأله التوفيق والعصمة فيما نقوله ونفعله.
فأما بيت الأعشى فالأمر فيه على ما وقع لأبي هاشم ، وهو من أقبح الحشو ، ولا مناسبة بينه وبين بيت امرىء القيس في حال من الأحوال ، ومما تزداد به عجبا أن علي بن عيسى الرمّاني نقض على أبي هاشم مسائله هذه بكتاب معروف قصره على نقضها ، واعتمد فيه المناقشة وترك المسامحة في كل لفظة من ألفاظ أبي هاشم ، فلما وصل إلى هذه المسألة ونقضها لم يعرض لهذا الموضع الذي ذكرناه ، بل ظهر من كلامه أنه موافق فيه مسلّم له ، ولا نعلم السبب الموجب لخفاء مثله على أبي الحسن ، مع مكانه المشهور من الأدب.
وأما مثال الكلمة التي تقع حشوا وتؤثر في المعنى نقصا وفي الغرض فسادا ، فكقول أبي الطيب يمدح كافورا :
ترعرع الملك الأستاذ مكتهلا |
|
قبل اكتهال أديبا قبل تأديب (١) |
لأن قوله : الاستاذ ـ بعد ـ الملك ، نقص له كبير ، وبين تسميته له بالملك والأستاذ فرق واضح ، فالأستاذ قد وقع هاهنا حشوا ، ونقص به المعنى إذ كان الغرض في المدح تفخيم أحوال الممدوح وتعظيم شأنه ، لا تحقيره وتصغير أمره ، وقد رأيت في أخبار كافور الأخشيدي ما يقيم عذر أبي الطيب في هذا ، ويزيل عنه بعض اللوم ، وذلك أنه روي أن كافورا لما غلب على ولد الأخشيد فاستبد بالأمور دونهم ، لم يخرج بذلك عن حد المدير إلى المالك ، ولم يقم له على منبر دعوة ، ولا نقش باسمه سكّة ، ولا اختار أن يخاطب إلا بالأستاذ ، فلم يسمّ في مدة أيامه بالأمير ولا بغيره ، فإذا علم منه الشعراء حب المخاطبة بهذه التسمية نظموا ذلك في مديحهم ، فكأن أبا الطيب ذكر الأستاذ بعد الملك علما منه بغرض كافور ، فأما تمثيلنا نحن بهذا البيت فصحيح ، وفي حكم النظم والنثر ألا تذكر هذه الكلمة بعد كلمة هي أشرف منها بدرجة عالية.
__________________
(١) «ديوان المتنبي» (٢ / ٢١٢).