التقريظ والوصف ، لا خفاء بحسن موقعها ، فهذا وما أشبهه هو الحشو المحمود المختار.
وقد زلّ في هذا الموضع أبو هاشم عبد السّلام بن محمد ، فألحق الحشو الجيد بالرديء ، وقال في «المسائل البغداديات» في مسألة ذكرها في إيجاز القرآن : إن الشاعر إذا احتاج إلى الوزن ذكر ما لا يحتاج إليه في الكلام المنثور ، ألا ترى إلى قول امرىء القيس :
ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (١)
ولو كان في الكلام لكان يقول : ورضت فذلّت أي إذلال لو شاء ، ولو شاء لقال : ورضت فذلّت صعبة. فقد بان أنهم ربما ذكروا المصادر والظروف ليتم الوزن في هذا الشعر الرصين ، وهذا كما قال الأعشى :
فأصبت حبّة قلبها وطحالها (٢)
ولو لا الوزن لاكتفى بقوله : فأصبت حبّة قلبها.
وهذا كلام بعيد من الصواب ؛ لأن صعبة من بيت امرىء القيس وقوله : أي إذلال ، حشو مختار حسن يقصد في المنثور مثله الحذاق بتأليفه ، لأنه لو قال : ورضت فذلّت ، لم يكن في الكلام دليل على أن هناك صعوبة ولا ثمّ تمنعا ، وبقوله : صعبة ، قد حصل هذا الغرض ، وهو مقصود لا يخيل على عاقل في هذا الموصوف ، وفي تأليف الكلام لا يخفى على من له أدنى علم بهذه الصناعة ، ثم في قوله بعد ـ أي إذلال ـ وصف حسن لذلّها ليس بمستفاد من الأول ، لموقع التعجب فيه والوصف ، وليس هذا الموضع مما يقصّر في فهمه أحد من المتوسطين في هذا العلم ، وأبو هاشم ـ وإن كان العالم المتقدّم في صناعة الكلام ـ فليس معرفته بالجواهر والأعراض وكلامه في العدل والألطاف مما
__________________
(١) هذا عجز البيت وتمامه :
وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا |
|
ورضت فذلت صعبة أي إذلال |
شرح ديوان امرىء القيس ١٦١ ، المنتضب ١ / ٧٤ ، المحتسب ٢ / ٢٦٠ ، خزانة الأدب ٤ / ٢٤.
(٢) «ديوان الأعشى» ص ١٤٤.