تؤثر بل دخولها فيه كخروجها منه ، وإذا كانت مؤثرة فهي على ضربين : أحدهما أن تفيد فائدة مختارة يزداد بها الكلام حسنا وطلاوة ، والآخر أن تؤثر في الكلام نقصا وفي المعنى فسادا ، والقسمان مذمومان ، والآخر هو المحمود ، وهو أن تفيد فائدة مختارة ، ولكل من ذلك مثال ، فمثال الكلمة التي تقع حشوا وتفيد معنى حسنا قول أبي الطيب :
وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب |
|
يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا (١) |
لأن ـ حاشاك ـ هاهنا لفظة لم تدخل إلا لكمال الوزن ، لأنك إذا قلت : احتقار مجرب يرى كل ما فيها فانيا ، كان كلاما صحيحا مستقيما ، فقد أفادت مع إصلاح الوزن دعاء حسنا للممدوح في موضعه ، ومثله قول ابن محلم (٢) :
إن الثمانين وبلغتها |
|
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان |
لأن ـ وبلغتها ـ تجري مجرى ـ وحاشاك ـ في الفائدة ، ولو ألغيت من البيت لصح المعنى دونها على حد ما قلناه في البيت الأول ، وليس يخفى على المتأمل حسن المقصود بحاشاك وبلّغتها في هذين الموضعين.
وكذلك أيضا قول أبي الطيب :
نهبت من الأعمار ما لو حويته |
|
لهنّئت الدنيا بأنك خالد (٣) |
لأن قوله : لهنئت الدنيا ، بمنزلة الحشو إذ كان المعنى يتم من دونه ، ولو استوى أن يقول : نهبت من الأعمار ما لو حويته لخلدت في الدنيا ، لكان المعنى مستقيما ، لكنه لما احتاج إلى ألفاظ يصح بها الوزن جاء بقوله : لهنئت الدنيا ، فأتى بزيادة من المدح ، وفضلة من
__________________
(١) ديوان المتنبي ٢ / ٤٦٩ ، خزانة الأدب ٣ / ٣٤٦.
(٢) هو لعوف بن محلم الشيباني. أمالي القالي ١ / ٥٠ ، أمالي ابن الشجري ١ / ٢١٥ ، معجم الأدباء ١٦ / ١٤٣ ، مغني اللبيب ٣٨٨ ، ٣٩٦ ، شذور الذهب ٤٥ همع الهوامع ١ / ٢٤٨ ، الدرر اللوامع ١ / ٢٠٧ ، معاهد التنصيص ١ / ١٢٤.
(٣) «ديوان المتنبي» (٢ / ٧٢).