ومن ذلك أيضا قول أبي تمام :
جذبت نداه غدوة السبت جذبة |
|
فخرّ صريعا بين أيدي القصائد (١) |
لأن هذا الموضع لا يليق به ـ جذبت ـ والممدوح يوصف بأنه أعطى طوعا واختيارا وحبا للكرم وصبابة إلى الإحسان ، وإذا جذب الندى حتى يخرّ صريعا فليس من الطوع بشيء ، إنما ذلك لفظ القسر والغلبة والجبر ، وهذا لا يكون مدحا ، إنما هو صريح الهجو ومحضه.
ومن هذا الفن أيضا قوله :
ضعفت جوانح من أذاقته النوى |
|
طعم الفراق فذمّ طعم العلقم (٢) |
لأن دعاءه على من ذم طعم العلقم بالإضافة إلى طعم الفراق بضعف الجوانح كلام موضوع في غير موضعه ، وذكر الحواس التي يضاف إليها الذوق في هذا الموضع أليق ، فأما الجوانح فلا معنى لها ، وقوله : ضعفت ، كلام ضعيف هاهنا.
فعلى هذا النحو يكون وضع الألفاظ في غير موضعها على الوجه الذي لا يوافق الاستعارة وحقيقتها ، فتأمله وقس غيره عليه ، فإنك تجده في الكلام كثيرا.
الحشو منافعه وعيوبه
ومن وضع الألفاظ موضعها ألا تقع الكلمة حشوا ، وأصل الحشو أن يكون المقصد بها إصلاح الوزن أو تناسب القوافي وحرف الروى إن كان الكلام منظوما ، وقصد السجع وتأليف الفصول إن كان منثورا ، من غير معنى تفيده أكثر من ذلك.
الباب يحتاج إلى شرح وبيان ، وتفصيله أن كل كلمة وقعت هذا الموقع من التأليف فلا تخلو من قسمين : إما أن تكون أثرت في الكلام تأثيرا لولاها لم يكن يؤثر ، أو لم
__________________
(١) «ديوان أبي تمام» ٢ / ٥. من قصيدة في مدح خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني.
(٢) «ديوان أبي تمام» ٣ / ٢٤٩. من قصيدة في مدح ابن شبانة محمد بن الهيثم.