وقوله :
وتقسّم الناس السخاء مجزّأ |
|
وذهبت أنت برأسه وسنامه (١) |
وتركت للناس الإهاب وما بقى |
|
من فرثه وعروقه وعظامه |
فانظر كيف جعل للذكر مزامر لم تنفخ ، وللمعروف كبدا تبرد ، ولم يقنع بأن استعار للسخاء رأسا وسناما وإهابا وعظاما وعروقا حتى جعل له فرثا ، وتعالى الله كيف يذهب هذا على من يقول :
أخرجتموه بكره من سجّيته |
|
والنار قد تنتضى من ناضر السّلم (٢) |
ويقول :
وإذا أراد الله نشر فضيلة |
|
طويت أتاح لها لسان حسود |
لو لا اشتعال النار فيما جاورت |
|
ما كان يعرف طيب عرف العود (٣) |
لكن أعوز الكمال واستولى الخلل على هذه الطباع ، فالمحمود من كانت سيئاته مغمورة بحسناته ، وخطؤه يسيرا في جانب صوابه.
وقد قدّمنا فيما مضى من هذا الكتاب أننا لم نذكر هذه الأبيات الذميمة وغرضنا الطعن على ناظمها ، وإنما قادتنا الحاجة في التمثيل إلى ذكر الجيّد والرديء ، والفاسد والصحيح ، على ما ذكرناه سالفا ، ومعاذ الله أن يخرجنا بغض التقليد وحبّ النظر من الطرف المذموم في الاتباع والانقياد ، إلى الجانب الآخر في التسرع إلى نقص الفضلاء ، والتفنيد لما لعلّه اشتبه على بعض العلماء ، والرغبة في الخلاف لهم ، وإيثار الطعن
__________________
لدى ملك من أيكة الجود لم يزل |
|
على كبد المعروف من فعله برد |
من قصيدة في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري.
(١) «ديوان أبي تمام» ٣ / ٢٤٦.
(٢) «ديوان أبي تمام ٣ / ١٨٩. السلم : شجر يدبغ به مفردها سلمة.
(٣) ديوان أبي تمام ١ / ٣٩٧ ، أسرار البلاغة ١٣٣.