الأزمنة ، وأنما هذا شيء يقع للعامة وأشباههم من أغمار الأدباء ، فيتخيلون أن للحسن والقبح حكما يرجع إلى التاريخ ، ويتعلق بالإضافة ، ولا بد لنا من الكلام على هذا المذهب الفاسد فيما يأتي من هذا الكتاب في موضع مفرد يليق به ، وإن كانت الشبهة لا تعترض فيه لمحصل ، ومن لم يعلم الصواب فيه ابتداء من نفسه فأجدر به ألا يعرف مواقع الأدلة عليه والحجج فيه ، لكنا نذكره هناك على كل حال مستوفى مستقصى ، فعلى ما قلناه ليس قول ابن أحمر حجة لأبي الطيب ، لأنا نقول لهما جميعا : أخطأتما منهج الاستعارة ، وعدلتما عن الغرض المختار فيها.
وأما قول القاضي : إن الفصل الذي يتخيل بين استعارة أبي الطيّب للطيب قلوبا ، واستعارة ابن أحمر للريح لبّا ، إنّما هو أنّ الريح لما خرجت بعصوفها عن الاستقامة شبّهت بالأهوج الذي لا مسكة في عقله ، ثم لما كان مدار الهوج على الالتياث في العقل حسن من هذا الوجه أن يجعل للريح عقلا ، فلعمري إن الأمر على ما ذكره ، وقد سهل بيت ابن أحمر بهذا التخريج الذي جرت به العادة ، وإن لم يكن حسنا ولا محمودا ، لكنه أصلح من قلوب الطيب ، لأن تلك الاستعارة لا وجه لها من عادة ولا غيرها ، وكذلك ما قاله في ساعد الدهر ، لأنه تأويل لا يستمر لأبي الطيب مثله.
فأما قوله : إنما يحمل ما جاء من ألفاظ المحدثين وكلام المولدين زائلا عن السنن على وجوه تقربهم من الإصابة وتقيم لهم بعض العذر ، فكأنه بهذا القول يخص المحدثين من المتقدمين ، وليس بينهم من هذا الوجه فرق ، وكما يلتمس من المتأخر الحسن الصحيح كذلك يلتمس من المتقدم ، ومن عدل منهما كان التأويل له واحدا ، بحيث يمكن ولا يبعد ، ولم يقع بينهما تمييز فيما يوجبه النظر ، ويقتضيه الفحص ، وما أحسب أن أحدا ممن ينسب إلى العلم ويتميز بصحة الفهم يحتاج في اختيار الاستعارة إلى معرفة صاحبها وزمانه ، حتى يكون حكمه على من تقدم مولده يخالف حكمه على من قرب عهده ، فلعل من يجدنا نستدل بكلام العرب المتقدمين على لغتهم ولا نستدل بكلام المتأخرين يتخيل أن هذا شيء يرجع إلى الزمان ، وليس الأمر كذلك ، وإنما العرب