فمن أبعد ما يكون في هذا الباب ، ولا عذر يتوجه له في الاستعارة للطيب والبيض واليلب قلوبا تسر وتتحسر.
وذكر القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (١) صاحب كتاب «الوساطة بين المتنبي وخصومه» أن بعض أصحابه جاراه أبياتا أبعد أبو الطيب فيها الاستعارة ، وخرج عن حد الاستعمال والعادة ، وكان منها هذا البيت الذي ذكرناه ، وقوله أيضا :
تجمعت في فؤاده همم |
|
ملء فؤاد الزمان إحداها (٢) |
قال : فقلت له : هذا ابن أحمر يقول :
ولهت عليه كلّ معصفة |
|
هوجاء ليس للبّها زبر (٣) |
فما الفصل بين من جعل للريح لبّا ومن جعل للبيض واليلب قلوبا ، وهذا الكميت يقول :
ولما رأيت الدهر يقلب ظهره |
|
على بطنه فعل الممعّك بالرمل (٤) |
وهذا ابن رميلة (٥) يقول :
هم ساعد الدهر الذي يتّقى به |
|
وما خير كفّ لا تنوء بساعد |
وذكر أبياتا من هذا النحو ، ثم قال : فكيف أنكرت على أبي الطيب أن جعل له فؤادا؟
__________________
(١) هو علي بن عبد العزيز بن الحسن الجرجاني ـ أبو الحسن ـ من العلماء بالأدب. ولد بجرجان وولي قضاءها ، ثم قضاء الري ، فقضاء القضاة. وتوفي سنة ٣٩٢ هجرية في نيسابور. من كتبه «الوساطة بين المتنبي وخصومه» و «وتفسير القرآن» و «تهذيب التاريخ».
(٢) «ديوان المتنبي» ص ٢ / ٣٠٦.
(٣) «الكتاب» ١ / ٢٧٢ ، «لسان العرب» (هوج) و (زبر). الزبر : الراي.
(٤) المعك : من التمعك وهو التمرغ.
(٥) هو الأشهب ابن رميلة منسوب إلى أمه من قبيلة ضبّة. «معجم الشعراء ٣٣» و «كتاب العين» ١ / ٣٢٢ ، و «المؤتلف والمختلف» ص ٣٧ البيت في «خزانة الأدب» ٢ / ٥٠٩ ، «المنصف» ١ / ٦٧ ، «لسان العرب» (سعد).