وكذلك قوله عز وجل : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (الدخان : ٤٩) (١) وإنما هو في الحقيقة عنده الذليل المهان ، ولكن تقديره ـ والله أعلم ـ إنك أنت الذي كان يقول له رهطه وعشيرته : أنت عزيز كريم. وكذلك قوله تعالى أيضا : (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ) (الزخرف : ٤٩) (٢) وإنما قالوا هذا بعد إيمانهم به ، ولكن تقديره ـ والله أعلم ـ يا أيها الساحر عند أولئك القوم الذين يدعونك ساحرا ، فأما نحن فنعلم أنك لست ساحرا.
وعلى هذا تأول أهل النظر قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات : ١٤٧) (٣) قالوا : معناه وأرسلناه إلى جمع لو رأيتموهم لقلتم أنتم فيهم : هؤلاء مائة ألف أو يزيدون.
فهذا الشك إنما دخل الكلام على الحكاية لقول المخلوقين ؛ لأن الخالق جلّ جلاله وتقدست أسماؤه لا يعترضه الشك في شيء من خبره.
وهذا ألطف وأوضح معنى من قول قطرب : إن أو بمعنى الواو ، ومن قول الفراء (٤) : إن أو بمعنى بل. فهذا ما احتملته هذه الآية من القول.
واعلم أن اللام قد لحقت من الحروف موضعين ، جاءت في أحدهما للتوكيد ، وفي الآخر للتوصل إلى النطق بالساكن.
الأول نحو قولك : لعلّ زيدا قائم ، إنما هو علّ ، واللام زائدة مؤكدة.
__________________
(١) أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التحقير. وقوله تعالى (إِنَّكَ أَنْتَ) أسلوب توكيد. والشاهد فيه أي إنك أنت الذي كان يقولون له أهله وعشيرته أنت عزيز حكيم.
(٢) أي قال فرعون وملؤه لموسى : «يا أيها الساحر» وعنوا بـ «الساحر» في هذا الموضع العالم إذ لم يكن السحر عندهم ذما. مختصر تفسير الطبري (ص ٤٣٢). وقولهم : (يا أيها الساحر) أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التقرير ، وقولهم : «ادع» أسلوب إنشائي في صورة أمر غرضه التعجيز.
(٣) أي أننا أرسلنا ذا النون إلى قوم لو رأيتموهم لقلتم أنهم مائة ألف أو يزيدون. والآية كناية عن الكثرة العددية.
(٤) ذكر ذلك الفراء في معاني القرآن (٢ / ٣٩٣).