وهذا أوسع من
أن يحصى ، ولم تكن به حاجة إلى هذا التشعّب الذي يقوده إلى هذا الإلزام. وفي هذا
الكتاب الذي ذكرته لهذا الرجل أشياء من هذا النحو تركت إيرادها لوضوح أمرها ، ولأن
كتابنا هذا ليس مشروطا فيه إصلاح أغفال كتاب أحد ، وإنما ربّما اعترض الكلام شيء ، فذكرناه
لاتصاله بما يكون فيه.
واعلم أن لام
الابتداء موضعها من الكلام الاسم المبتدأ نحو : لزيد كريم ، ولمحمد عاقل ، ولأنت
أشجع من أسامة ، ولا تدخل هذه اللام في الخبر إلا على أحد وجهين كلاهما ضرورة إلا
أن إحدى الضرورتين مقيس عليها ، والأخرى مرجوع إلى السماع فيها :
الأولى : أن
تدخل هذه اللام على الجملة التي في أولها إنّ المثقّلة المحقّقة ، فيلزم تأخير
اللام إلى الخبر ، وذلك قولك : إنّ زيدا لمنطلق ، فأصل هذا : إنّ زيدا منطلق ، ثم
جاءت اللام ، فصار التقدير : لإنّ زيدا منطلق ، فلما اجتمع حرفان لمعنى واحد ، وهو
التحقيق والتوكيد ، كره اجتماعهما ، فأخّرت اللام إلى الخبر ، فصار الكلام : إنّ
زيدا لمنطلق.
واعلم أن هذا
الشرح قد اشتمل على ثلاثة أشياء ينبغي أن يسأل عنها ، وهي : أنّ اللام في المرتبة
قبل إنّ ، وتقدير الكلام : لإنّ زيدا منطلق ، وأنه ليس المرتبة أن تكون اللام بعد
إنّ نحو إنّ لزيدا منطلق.
والثاني : لم
لّما اجتمع حرفان للتوكيد فصل بينهما ، وهلا كان اجتماعهما أبلغ وأوكد؟
والثالث : لم
لّما وجب الفصل بينهما أخّرت اللام إلى الخبر دون إنّ؟
فالذي يدل على
أنّ اللام في المرتبة قبل إنّ ثلاثة أشياء :
الأول : أن
العرب قد نطقت بهذا نطقا ، وذلك مع إبدال الهمزة هاء في نحو قولهم : لهنّك قائم ، إنما
أصلها : لإنّك قائم ، ولكنهم أبدلوا الهمزة هاء كما أبدلت هاء في نحو : هيّاك ،
وهرقت الماء ، فلما زال لفظ الهمزة ، وحلّت مكانها الهاء صارت ذلك مسهّلا للجمع
بينهما إذ حلّت الهاء محل الهمزة ، فزال لفظ إنّ ،
__________________