احتاج الدليل إلى دليل ، وإذا احتاج الدليل إلى دليل فقد سقط المعنى المدلول عليه.
وهذا وإن كان ظاهره سائغا متقبلا فإنه غير داخل على غرض أبي الحسن ، وذلك أن معنى قوله : «دليل الإعراب» أنها تقوم مقام الضمة والفتحة والكسرة ، وتفيد ما يفدنه ، فشابهت الألف النون التي لرفع الفعل المضارع في نحو يقومان ويقومون وتقومين في أنها تقوم مقام الضمة في «يقوم» و «يقعد» وأنها ليست من أصول الإعراب ؛ ألا ترى أن جنس الإعراب هو الحركة ، ولذلك جعل جنس البناء سكونا إذ كانا ضدين ، وكانت الحركة ضد السكون ، فالألف إذن هناك كالنون هنا.
ويدلك على أن الأفعال المضارعة التي رفعها بالنون ليست على طريق قياس أصول الإعراب ، حذفك النون في موضع النصب في قولك : «لن يقوما» ألا ترى أن النصب هنا مدخل على الجزم كما أدخل النصب في الأسماء المثناة والمجموعة على سبيل التثنية على الجر في قولك : «ضربت الزيدين والعمرين» ، ولست تجد في الآحاد المتمكنة الإعراب ما يحمل فيه أحد الإعرابين على صاحبه. فأما «مررت بأحمد» فإن ما لا ينصرف غير متمكن الإعراب.
ويزيد عندك في بيان ضعف إعراب الفعل المضارع ، أنك إذا ثنيت الضمير فيه أو جمعته أو أنّثته ، أنك تجده بغير حرف إعراب ؛ ألا ترى أنه لو كان لـ «يقومان» حرف إعراب لم يخل من أن يكون الميم أو الألف أو النون ، فمحال أن تكون الميم لأن الألف بعدها قد صيغت معها وحصلت الميم لذلك حشوا لا طرفا ، ومحال أن يكون حرف الإعراب وسطا ، ولا يجوز أن يكون إلا آخرا طرفا ، ولا يجوز أن تكون الألف في «يقومان» حرف إعراب ، قال سيبويه (١) : «لأنك لم ترد أن تثني هذا البناء فتضم إليه يفعلا آخر» أي : لم ترد أن تضم هذا المثال إلى مثال آخر ، وإنما أردت أن تعلم أن الفاعل اثنان ، فجئت بالألف التي هي علم الضمير والتثنية ، ولو أردت أن تضم نفس الفعل إلى فعل آخر من لفظه لكانت الألف في «يقومان» حرف إعراب ، كما كانت الألف في «الزيدان» حرف إعراب ، لما أردت أن تضم إلى زيد زيدا آخر.
فقد بطل إذن أن تكون الألف حرف إعراب. ومحال أيضا أن تكون النون حرف إعراب في «يقومان» لأمرين :
__________________
(١) الكتاب (١ / ٥).