ومثل قوله : «لم يك الحق» قول الخنجر بن صخر الأسدي (١) :
فإلّا تك المرآة أبدت وسامة |
|
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم (٢) |
يريد : فإلا تكن المرآة ، والقول فيهما واحد.
ومما يسأل عنه من باب النون قول العرب في ما حكاه سيبويه «لدن غدوة» (٣) فيقال : لم نصبت غدوة ولم تجر بإضافة لدن إليها؟
والجواب : أنهم شبهوا النون في لدن بالتنوين في ضارب ، فنصبوا غدوة تشبيها بالمميّز نحو : عندي راقود خلا ، وجبّة صوفا ، والمفعول في نحو : هذا ضارب زيدا وقاتل بكرا. ووجه الشبه بينهما اختلاف حركة الدال قبل النون ، وذلك لأنه يقال : لدن ولدن بضم الدال وفتحها ، فلما اختلفت الحركتان قبل النون شابهت النون التنوين ، وشابهت الحركتان قبلها باختلافهما حركات الإعراب في نحو : هذا ضارب زيدا ، ورأيت ضاربا زيدا ، ولأنهم قد حذفوا النون ، فقالوا : لد غدوة ، كما يحذف التنوين تارة ويثبت أخرى ، فلما أشبهت النون التنوين من حيث ذكرنا انتصبت غدوة تشبيها بالمفعول ، وكما جاز أن تشبّه النون بالتنوين فتنصب غدوة تشبيها بالمفعول ، كذلك شبه بعضهم غدوة بالفاعل ، فرفعها ، فقال : لدن غدوة ، كما تقول : أقائم زيد؟ ومنهم من يلزم القياس فيها ، فيجرّ بها ، فيقول : لدن غدوة ، ومن فعل ذلك فلا سؤال عليه ، قال سيبويه : «ولا تنصب غدوة مع غير لدن» (٤) لكثرتها في كلامهم ، فغيّروها ـ يعني عن الجر ـ لكثرتها ، فلا تقول على هذا : لدن بكرة ، لأنه لم يكثر في كلامهم.
فإن سأل سائل ، فقال : غدوة إنما وقعت في كلامهم معرفة ، وإنما غداة هي النكرة ، ألا تراك تقول : (بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) (الأنعام : ٥٢) فتعرفها باللام ،
__________________
(١) الضيغم : اسم من أسماء الأسد. القاموس المحيط (٤ / ١٤٢). الشاهد فيه (تك) حيث حذفت النون تخفيفا ويريد (تكن).
(٢) الكتاب (١ / ٢٤ ، ٢٨ ، ٧٩ ، ١٠٧).
(٣) البيت له كما في العيني (٢ / ٦٣) ، ونسب في التمام (ص ١٧٦) إلى بعض بني أسد.
(٤) الكتاب (٣ / ١١٩).