فالجواب : أن الأصل كما تقدم لفعلان بالمشابهة التي ذكرناها بينه وبين فعلاء ، فأما فعلان وفعلان فإنما شبّها بفعلان للزيادة التي في أواخرهما ومشابهتها للزيادة التي في آخر فعلان ، فحملا في البدل على فعلان ، كما شبّها أيضا به وجميع بابهما مما في آخره ألف ونون وليس على وزن فعلان ، أو كان على فعلان وليست له فعلى في ترك صرف الجميع معرفة ، وذلك نحو عثمان ، وغطفان ، وزعفران ، وكيذبان (١) ، وحمدان ، وسعدان (٢) ، فكما ألحقت هذه الأشياء بسكران وحيران كذلك ألحق به أيضا ظربان وإنسان في أن ردّت نونهما إلى حرف اللين في ظرابيّ وأناسيّ.
فإن قلت : فما تقول في حكاية أبي زيد عنهم في جمع إنسان : أناسية؟ وما القول في هذه الياء والهاء؟
فالجواب : أن الياء في أناسية هي الياء الثانية في أناسيّ ، وأن الهاء في أناسية بدل من ياء أناسيّ الأولى ، ألا ترى أن أناسيّ بوزن زناديق (٣) وفرازين ، وأن الهاء في زنادقة وفرازنة إنما هي بدل من ياء زناديق وفرازين ، وأنها لمّا حذفت للتخفيف عوّض منها الهاء. ومثل ذلك جحجاح (٤) وجحاجحة ، إنما أصله جحاجيح ، فالياء الأولى من أناسيّ بمنزلة ياء فرازين وزناديق ، والياء الآخرة منه بمنزلة القاف والنون فيهما.
ومثل ذلك قولهم في جمع أثبيّة ـ وهي الجماعة ـ أثابية ، إنما أصلها أثابيّ ، وحالها حال أناسية.
فإن قيل : فلم أبدلت همزة فعلاء نونا؟ وما الذي سهّل ذلك وحمل عليه؟
فالجواب : أن للنون شبها بحروف اللين قويا لأشياء :
منها : أنّ الغنة التي في النون كاللين الذي في حروف اللين.
__________________
(١) كيذبان : أي الكاذب.
(٢) سعدان : شوك النخل ، وقيل هو نبت أو شوك ، وهو من أنجع المراعي ، وقيل هو بقلة.
(٣) زناديق : (م) زنديق ، وهو الذي يؤمن بالزندقة ، والزندقة هي القول بأزلية العالم ، وأطلق على الزردشتيه ، والمانوية وغيرهم من الثنوية ، وتوسع فيه فأصبح يطلق على كل شاك أو ضال أو ملحد. القاموس المحيط (٣ / ٢٤٢).
(٤) جحجاح : السيد السمح الكريم (ج) جحاجح ، جحاجيح ، وجحاجحة. القاموس (١ / ٢١٧).