وكذلك ما أنشده سيبويه من قول الراجز (١) :
وغير سفع مثّل يحامم (٢)
باختلاس حركة الميم الأولى.
فأما ما أنشده أيضا من قوله (٣) :
كأنها بعد كلال الزاجر |
|
ومسحه مرّ عقاب كاسر (٤) |
فقال سيبويه كلاما يظنّ به في ظاهره أنه أدغم الحاء في الهاء (٥) ، بعد أن قلب الهاء حاء ، فصار في ظاهر قوله ومسحّ.
__________________
(١) الراجز : هو غيلان بن حريث. كما ذكر سيبويه في الكتبا (٢ / ٤٤٨)
(٢) السفع : جمع سفعاء ، وهي الأثفية ، وسفعتها : سوادها. اللسان (٣ / ٢٠٢٧). (مادة سفع) والمثل : المنتصبة القائمة ، جمع ماثلة. اللسان (٦ / ٤١٣٥). مادة (مثل). واليحامم : جمع يحموم وهو الأسود من كل شيء ، وأصلها يحاميم ، حذفت الياء لضرورة الشعر. اللسان (٢ / ١٠١٠). مادة (حمم). والبيت من مشطور الرجز. والشاهد فيه : اختلاس أو إخفاء حركة الميم الأولى في «يحامم». إعراب الشاهد : يحامم : نعت مجرور وعلامة الجر الكسرة.
(٣) البيت ذكره سيبويه دون أن ينسبه. انظر / الكتاب (٢ / ٤٤٨).
(٤) كأنها : الهاء عائدة على ناقة يصفها. والكلال : التعب. اللسان (٥ / ٣٩١٩). مادة (كلل). الشرح : يبين الشاعر قوة الناقة فيصفها بعد طول السير وتعب زاجرها كأنها عقاب منقضة كسرت جناحيها عند انقضاضها. والشاهد فيه : أنه قلب الهاء حاء ، وأخفاها في الحاء الأولى. وهذا ما جعله سيبويه ضربا من الإدغام ، وهو يستدعي أن تنطق الحاء كأنها مشددة تشديدا خفيفا ، وذلك ما دعا بعضهم أن يتصوره إدغاما كاملا ، كما ترى في كلام المؤلف في دفاعه عن سيبويه. انظر / الكتاب (٢ / ٤١٣).
(٥) عبارة سيبويه في الكتاب (٢ / ٤١٣) هي : ومما قالت العرب في إدغام الهاء في الحاء قوله :
كأنها بعد كلال الزاجر |
|
ومسحي مر عقاب كاسر |
يريدون : «ومسحه» ، وظاهر من هذه العبارة أنه يرى أن الإدغام هو إدخال الثاني في الأول ، وظاهر من عبارة ابن جني هنا ، وهي : «أن أدغم الحاء في الهاء» أنه يذهب إلى أن الأول هو الذي يدغم في الثاني وهما مذهبان.