وقد تقدمت الدلالة على أنّ همزة بين بين كغيرها من سائر المتحركات في ميزان العروض ، الذي هو حاكم وعيار على الساكن والمتحرك ، وكذلك غير هذه الهمزة من الحروف المخفاة الحركات ، نحو قوله عز اسمه (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا) [يوسف : ٨]؟ (١) وغير ذلك كله محرّك وإن كان مختلسا ، يدل على حركته قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ) [البقرة : ١٨٥] فيمن أخفى ، فلو كانت الراء الأولى ساكنة ، والهاء قبلها ساكنة ، لاجتمع ساكنان في الوصل ، ليس الأول منهما حرف لين والثاني مدغما ، نحو دابّة وشابّة.
وكذلك قوله : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي)(٢) [يونس : ٣٥] لا يخلو من أحد أمرين :
إما أن تكون الهاء مسكّنة البتة ، فتكون التاء من «يهتدي» مختلسة الحركة.
وإما أن تكون الدال مشددة ، فتكون الهاء مفتوحة بحركة التاء المنقولة إليها ، أو مكسورة لسكونها وسكون الدال الأولى. وكذلك «يخصّمون» الحكم فيهما واحد.
ومثل : (شَهْرُ رَمَضانَ) ، (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) [الحجر : ٩](٣) و (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) [ق : ٤٣] ، لا بد من أن تكون النون الأولى مختلسة الضمة تخفيفا ، وهي بزنة المتحركة ، فأما أن تكون ساكنة والحاء قبلها ساكنة فخطأ ، وقول القراء إن هذا ونحوه مدغم سهو منهم ، وقصور عن إدراك حقيقة هذا الأمر.
ومن الإخفاء أيضا قوله تبارك اسمه (وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال : ٤٢] وقالوا في جمع حياء (٤) وعياء (٥) : أحيّية وأعيية ، مختلسين.
__________________
(١) وردت في حوار دار بين أخوة يوسف وأبيهم. والآية دليل على تحرك الميم في «تأمنا» بالضم ، وإن كان ذلك خافيا مختلسا. كما ذكر المؤلف في المتن.
(٢) يهدّي : أي يسترشد ، وقرئت «من لا يهدّى» أي طلب الهداية ، أو أقام عليها.
(٣) الذكر : هو القرآن الكريم. اللسان (٣ / ١٥٠٨). مادة (ذكر). ومعنى الآية : أن الله يؤكد على أنه هو منزل القرآن ليس غيره كما زعم الكفار.
(٤) الحياء : ممدودا ، وهو الفرج من ذوات الخف والظلف. اللسان (٢ / ١٠٨١). مادة (حيى)
(٥) العياء : الفحل الذي لا يقوى على الضراب. اللسان (٤ / ٣٢٠١). مادة (عيى).