عند كثير من الناس ، لأنه أراد : أن أحضر ، وأجاز سيبويه في قوله «مره يحفرها» أن يكون الرفع على قوله «مره أن يحفرها» ، فلما حذفت أن ارتفع الفعل بعدها ، وقد حملهم كثرة حذف (أن) مع غير الفاعل ، على أن استجازوا ذلك مع اسم ما لم يسمّ فاعله ، وإن كان جاريا مجرى الفاعل ، وقائما مقامه.
وذلك قول جميل :
جزعت حذار البين يوم تحمّلوا |
|
وحقّ لمثلي يا بثينة يجزع (١) |
أراد : أن يجزع ، على أن هذا قليل.
فإن قلت : ألست تعلم أن خبر كان يجري مجرى الفاعل ، وقد قالوا : كأنك من جمال بني أقيش ، وأرادوا : جمل من جمال بني أقيش ، فحذف الموصوف وهو خبر كأن ، فهلا أجزت حذف الفاعل وإقامة الصفة مقامه في قول الأعشى : «ولن ينهى ذوي شطط كالطّعن» ، وقلت إنه أراد : شيء كالطعن ، حملا على بيت النابغة؟
فالجواب أن بينهما فرقا من وجهين :
أحدهما : أن خبر كأنّ وإن شبّه بالفاعل في ارتفاعه ، فليس في الحقيقة فاعلا ، ولا في مذهب الفاعل ، أولا تراك تقول : كأن زيدا يصلّي ، وكأن أخاك يقفو أثرك ، فجعلهم خبرها فعلا يدلّك على أنه لا تبلغ قوة الفاعل في الاسمية ، لأن الفاعل لا يكون إلا اسما محضا.
__________________
(١) البيت لجميل بن معمر من قبيلة عذرة وهي قبيلة اشتهرت بالحب العذري ، وكنيته أبو عمر ، وقد وقع في هوى بثينة وارتبط اسمه بها حتى قيل جميل بثينة وقال فيها من الشعر الكثير. جزعت : جزع جزعا : أي لم يصبر على ما نزل به ، فهو جازع وجزوع وجزع. البين : الفرقة ، والكلمة من الأضداد فتكون أحيانا بمعنى الوصل. اللسان (١ / ٤٠٣). بثينة : تصغير بثنة وهي الأرض السهلة اللينة ، والمرأة الجميلة البضة. اللسان (١ / ٢٠٩). ويقول جميل : إنني يا بثينة فقدت الصبر والتحمل على فراقك ومثلي لما به من حب وجوى حق له ألا يصبر على ألم الفراق ، والأسلوب خبري تقريري. الشاهد فيه أن الفعل (يجزع) يقرأ بالنصب عند الكوفيين وناصبه أن المحذوفة والتقدير (أن يجزع) ، وعلى ذلك يكون إعراب الشاهد : يجزع : فعل مضارع منصوب بأن المحذوفة وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره لأنه مضارع صحيح الآخر.