فهذا التفسير على قول من قال : إن معوّلي بمنزلة إعوالي ، والفاء عقدت آخر الكلام بأوله ، لأنه كأنه قال : إذ كنتما قد عرفتما ما أوثره من البكاء ، فابكيا وأعولا معي ، كما أنه إذا استفهم نفسه ، فكأنه قال : إذا كنت قد علمت أن في الإعوال راحة لي فلا عذر لي في ترك البكاء. وأما من جعل معوّلي بمعنى تعويلي على كذا ، أي اعتمادي واتكالي عليه ، فوجه دخول الفاء على فهل في قوله ، أنه لما قال إن شفائي عبرة مهراقة ، فكأنه قال : إنما راحتي في البكاء ، فما معنى اتكالي في شفاء غليلي على رسم دارس لا غناء عنده عني ، فسبيلي أن أقبل على بكائي ، ولا أعوّل في برد غليلي على ما لا غناء عنده. وهذا أيضا معنى يحتاج معه إلى الفاء ، لتربط آخر الكلام بأوله ، فكأنه قال : إذا كان شفائي إنما هو في فيض دمعي ، فسبيلي ألا أعوّل على رسم دارس في دفع حزني ، وينبغي أن أجدّ في البكاء الذي هو سبب الشفاء.
واعلم أن المعارف الموصولة ، والنكرات الموصوفة ، إذا تضمنت صلاتها وصفاتها معنى الشرط ، دخلت الفاء في أخبارها ، وذلك نحو قولك : الذي يكرمني فله درهم ، فلما كان الإكرام سبب وجوب الدرهم دخلت الفاء في الكلام. ولو قلت : الذي يكرمني له درهم ، لم يدل هذا القول على أن الدرهم إنما يستحق للإكرام ، بل هو حاصل للمكرم على كل حال. وتقول في النكرة : كل رجل يزورني فله دينار ، فالفاء هي التي أوجبت استحقاق الدينار بالزيارة. ولو قلت : كل رجل يزورني له دينار ، لما دلّ ذلك على أن الدينار مستحقّ عن الزيارة ، بل يدلّ على أنه في ملك الزائر على كل حال.
فلأجل معنى الشرط في الصلة والصفة ما دخلت الفاء في آخر الكلام ، قال الله تعالى : و (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) البقرة : ٢٧٤](١) ، فالفاء قد دلت على أن الأجر إنما استحقّ عن الإنفاق.
__________________
(١) الشاهد في قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ.) إعراب الشاهد : الفاء : للتعقيب والإتباع. لهم : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. أجرهم : أجر : مبتدأ مؤخر مرفوع. وهم : ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.