ومن ذلك قول امرئ القيس :
وإن شفائي عبرة مهراقة |
|
فهل عند رسم دارس من معوّل (١) |
ففي قوله «معوّل» مذهبان : أحدهما : أنه مصدر عوّلت ، بمعنى أعولت ، أي بكيت ، أي فهل عند رسم دارس من إعوال وبكاء؟ والآخر : أنه مصدر عوّلت على كذا : أي اعتمدت عليه ، كقولهم : «إنما عليك معوّلي» ، أي اتكالي. وعلى أيّ الأمرين حملت المعوّل ، فدخول الفاء على «فهل عند رسم» حسن جميل.
وأما إذا جعلت المعوّل بمعنى العويل (٢) والإعوال ، أي البكاء ، فكأنه قال : إن شفائي أن أسفح (٣) عبرتي ، ثم خاطب نفسه أو صاحبيه فقال : إذا كان الأمر على ما قدمته من أن في البكاء شفاء وجدي (٤) ، فهل بي من بكاء أشفي به غليلي (٥).
فهذا ظاهره استفهام لنفسه ، ومعناه التحضيض (٦) لها على البكاء ، كما تقول : قد أحسنت إليّ فهل أشكرك؟ أي فلأشكرنّك ، وقد زرتني ، فهل أكافئنك ، أي فلأكافئنك ، وإذا خاطب صاحبيه فكأنه قال : قد عرّفتكما سبب شفائي ، وهو البكاء والعويل ، فهل تعولان وتبكيان معي ، لأشفي وجدي ببكائكما.
__________________
(١) العبرة : الدمعة. اللسان (٤ / ٢٧٨٣). مهراقة : مصبوبة. اللسان (٦ / ٤٦٥٤) الرسم : الأثر. الدارس : البالي. معول : بكاء ونحيب. الشرح : يقول إن شفاء صدري أن أقف على آثار الديار وأنزف الدموع حتى تطفئ أحزاني. الشاهد في قوله : فهل عند رسم دارس من معوّل؟ إعراب الشاهد : الفاء : للتعقيب. هل : حرف استفهام. عند : ظرف منصوب في محل رفع خبر مقدم. رسم : مضاف إليه مجرور. دارس : نعت مجرور. من : حرف جر زائد. معول : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على الابتداء.
(٢) العويل : البكاء. مادة (عول). اللسان (٤ / ٣١٧٥).
(٣) أسفح : أصب. مادة (سفح). اللسان (٢ / ٢٠٢٣).
(٤) وجدي : حزني. مادة (وجد). اللسان (٦ / ٤٧٧٠).
(٥) الغليل : الحزن. مادة (غلل). اللسان (٥ / ٣٢٨٥).
(٦) التحضيض : الحث. مادة (حضض). اللسان (٢ / ٩١٠).