فكما أنّ نعمة الأمن والرفاة قد غطّت كامل وجودهم في البداية ، فها هم وقد حال بهم الأمر لأن يحل الفقر والخوف محلّها في آخر مطافهم نتيجة لكفرانهم بنعم الله سبحانه.
٤ ـ أثر كفران النعمة في تضييع المواهب الإلهية
رأينا في الرّواية المتقدمة كيف راح أولئك المرفهون بتطهير أجسادهم بواسطة المواد الغذائية بعد أن تسلطت عليهم الغفلة وساورهم الغرور ، حتى ابتلاهم الله بالقحط والخوف.
وعرض الحادثة ما هو إلّا تنبيه للناس ولكل الأمم الغارقة بالنعم الإلهية ، على أنّ الإسراف والتبذير وتضييع النعم لا ينجو من عقوبة وغرامة ثقيلة الوقع.
وهو تنبيه أيضا للذين يرمون نصف غذائهم (الزائد عن الحاجة) في أكياس الأوساخ دائما.
وهو تنبيه كذلك لأولئك الذين يهيئون غذاء يكفي لعشرين شخصا ، وليس لهم من الضيوف إلّا أربعة ، ولا يصل الزائد منه إلى بطون الجياع من الناس.
وهو تنبيه للذين يجمعون المواد الغذائية في بيوتهم لاستعمالهم الخاص ، ويملؤون مخازنهم انتظارا لارتفاع سعرها في الأسواق حتى يفسد ويذهب هباء من غير أن يستفيدوا من بيعها بسعر مناسب قبل فسادها.
نعم ، فلا يخلو أيّ عمل ممّا ذكر من عقوبة إلهية ، وأقل ما يعاقبون به هو سلب تلك النعم عنهم.
وتتّضح أهمية المسألة إذا علمنا أنّ المواد الغذائية على سطح الكرة الأرضية محددة بنسبة ، فأيّ إفراط في أيّ نوع من المواد يؤدي إلى حرمان نسبة من البشر من تلك المواد.
ولذلك جاء التأكيد الشديد حول هذه المسألة في الأحاديث الشريفة ، حتى