ثم عرف النفسية التي يتمتّع بها بنو عبد الدار ، أن يدرك المغالطات التي اندست في هذه الرسالة والتلاعب بالعواطف والإثارات ، ولذا قال الكاتب المصري توفيق أبو علم : « وكما يقول الدكتور أحمد رفاعي في كتابه ( عصر المأمون ) إنّ هذه الرسالة حوت بعض المغالطات ، فقد جاء فيها : « إنّ هذه الاُمّة لما اختلفت بينها ، لم تجهل فضلكم ، ولا سابقتكم للإسلام ، ولا قرابتكم من نبيّكم ... الخ » (٢٤).
ونذكر هنا بعض ما يلاحظ على هذه الرسالة :
الأوّل : إنّ معاوية أضاف لقب أمير المؤمنين إلى نفسه وهو لم ينص على خلافته ولم يُبايَع من قِبَل المسلمين ، وهذا تحدّ صارخ منه في وجه الاُمّة وعدم المبالاة بقوانين الإسلام ولا الاحترام لمشاعر المسلمين.
الثاني : إنّه موّه الأمر ولم يذكر حوادث ما بعد
وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله ، وبرز في معرض الدفاع عن صحابة الرسول صلىاللهعليهوآله ، وإنّه الرجل المؤمن الذي يربأ
بالإمام الحسن عليهالسلام عن الكلام عن أولئك المتقدمين ، بينما
لم يذكر الإمام عليهالسلام إلّا ما جرى بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله كأي محدّث ينقل حدثاً تاريخياً خطيراً
لعب دوره الكبير في حياة الاُمّة الإسلامية وأثّر في اتجاه سيرها ، وإنّما ذكره لينبّه
معاوية وأتباعه بأنّ الأمر الذي نطلبه منك هو حقّ لنا في أعناق المسلمين وإن خرج عن دائرته حفنة من السنين لظروف طارئة ، فهو تذكير وإشارة لمَن ألقى السمع وهو منيب ، ولم يكن خافياً على معاوية ذلك الأمر ، ولذا كان يعيب الإمام علياً عليهالسلام بما صنع به في تلك الأيام في كتاب له إليه ، فأجابه الإمام عليهالسلام بقوله : « وقلتَ : انّي كنتُ اُقاد كما يُقاد الجمل المخشوش حتّى اُبايع ؛ ولعمر الله لقد أردتَ أن
تذم فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت ! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ، ولا مرتاباً بيقينه ! وهذه حجتي إلى غيرك