من الحدث والزمان ، وعلى معنى ثالث ، كما دلّت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وذات الفاعل والمفعول به. فلمّا لم يكن المصدر كذلك ، دلّ على أنه ليس مشتقا من الفعل.
وأما حجج الكوفيّين ، فأهمها ما يلي :
أ ـ إن المصدر يصحّ لصحّة الفعل ويعتلّ لاعتلاله ، نحو : «قاوم قواما وقام قياما».
ب ـ إن الفعل يعمل في المصدر ، نحو :
«ضربت ضربا». وبما أن رتبة العامل قبل رتبة المعمول ، وجب أن يكون المصدر فرعا على الفعل.
ج ـ إن المصدر يذكر تأكيدا للفعل ، نحو : «ضربت ضربا». ورتبة المؤكّد قبل رتبة المؤكّد.
د ـ إنّ ثمّة أفعالا لا مصادر لها ، وهي :
نعم ، بئس ، عسى ، ليس ، فعلا التعجب ، وحبّذا ، فلو كان المصدر أصلا ، لما خلا من هذه الأفعال ، لاستحالة وجود الفرع من غير أصل.
ه ـ إن المصدر لا يتصوّر معناه ما لم يكن فعل فاعل ، والفاعل وضع له «فعل» و «يفعل» ، فينبغي أن يكون الفعل الذي يعرف به المصدر أصلا للمصدر.
واختلف الباحثون المعاصرون أيضا حول هذا الأصل. ولعل أقرب المذاهب إلى الحقيقة ، مذهب فؤاد ترزي الذي يتلخص بما يلي :
أ ـ إنّ أصل الاشتقاق ، في العربيّة ، ليس واحدا ، فقد اشتقّ العرب من الأفعال (١) ، والأسماء (٢) (الجامد منها والمشتق) ، والحروف (٣) ، ولكن بأقدار تقلّ حسب ترتيبها التالي : الأفعال ، ثم الأسماء ، فالحروف.
ب ـ إنّ ما ندعوه بالمشتقّات ، بما فيها المصادر ، قد اشتقّ من الأفعال بصورة عامّة.
ج ـ إنّ هذه الأفعال ، بدورها ، قد تكون أصيلة مرتجلة ، وقد تكون اشتقّت من أسماء جامدة ، أو ما يشبه الأسماء الجامدة من
__________________
(١) اشتقّوا أفعالا من أفعال ، نحو : «أعلم ، علّم ، تعالم ، استعلم ...» من «علم» ، واشتّقوا أسماء من أفعال ، كاشتقاق الأسماء المشتقّة (اسم الفاعل ، اسم المفعول ، الصفة المشبّهة ...) نحو ، كاتب ، مكتوب ..» من «كتب».
(٢) اشتقّوا أفعالا من أسماء ، نحو : «برقت» من البرق ، و «توّج» من التاج ، و «استحجر» من الحجر ... ، وأسماء من أسماء ، نحو «فارس» من فرس ، و «جمّال» من جمل ، و «عسّال» من العسل.
(٣) اشتّقوا أفعالا من الحروف ، نحو : «لا ليت لي» ، أي : قلت لي : لا ، ونحو «ساوفت» ، أو «سوّفت» ، أي قلت : سوف ... واشتقّوا أسماء من الأحرف ، نحو : «الكشكشة» ، و «الكسكسة» (إبدال كاف المخاطب المؤنّث شينا أو سينا ، أو زيادة الشين والسين بعد كاف المخاطب المؤنث ، كما في بعض اللهجات العربية).