ثم إنّك بعد أنْ عرفت أصل التسمية ، وعرفت
واضعها وجهة الوضع ، لا أظنك تتوهّم أن غيرهم من الصحابة الّذين لم يتّصفوا بهذه
الصفة قد خالفوا النبيّ صلى الله عليه واله ولم يتّبعوه في إرشاده وتعاليمه ونصوصه
، بل هم أجلّ وأسمىٰ من أنْ تدرك مقامهم ساقطات الأوهام. ولعلّ تلك الكلمات
لم يلتفتوا إلى المراد منها.
ثمّ لمّا اختار الله لرسوله الانتقال من
هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية ، رأىٰ بعض الصحابة ألّا تكون الخلافة
لعلي عليه السلام ، خشية من هيجان نفوس قريش؛ لكراهتهم اجتماع النبوّة والخلافة
لبني هاشم ، بخيال أن النبوّة والخلافة بأيديهم يضعونها حيث شاؤوا. فامتنع علي
عليه السلام ولم يبايع إلّا بعد ستّة أشهر علىٰ ما ذكر في (صحيح البخاري) ، واتّبعه
جماعة كثيرة من أعيان الصحابة. وليس امتناعه لأثرة ولا رغبة في الإمرة والملك ، وإنّما
غرضه الأهمّ الاحتياط في تقوية الإسلام وخشية من تفرّق كلمته.
وحيث وجد أن الخليفتين نهجا فيما هو
المرام ، وبذلا جهدهما في إظهار كلمته وإعزاز ناموسه ، رأىٰ أن الإغضاء عمّا
له من الحقّ أولىٰ من الوقوف موقف الحياد. فبايع بباعث المحافظة على الإسلام
وعلى الاُمّة لئلا تعود لجاهليّتها.
وأنت الخبير بعزّة الإسلام وكرامته عند
أمير المؤمنين عليه السلام ، وكم ضحىٰ بنفسه ، وكم قذف بنفسه في لهوات
المنايا ، ومواقفه مع