البحث فيما ليس مطلوباً منهم ومشددين على أنفسهم بما لم يشدد به عليهم ( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) (١) غير أنّهم لم يقفوا عند هذا الحد من اللجاجة والمماطلة فيذبحوا بقرة صفراء متوسطة العمر ، وما أكثر البقر الذي يتمتع بهذه المواصفات ، فلم يريحوا أنفسهم ولا نبيهم من عناء البحث والتدقيق بل نراهم اندفعوا في أسئلتهم التي تعقّد عليهم الأمر ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) ؟!! ( وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) (٢) يالهم من حمقى لا يرفقون بأنفسهم ولا يتأدبون مع نبيهم ، إذ لم يسكتوا عما سكت عنه ، ويالهم من متكبرين في نفوسهم والفاظهم إذ لم يقولوا ادعُ لنا ربنا وإنّما قالوا ادعُ لنا ربك ؟!!
ومثل هذا الطرح يدلل على ضعف الإيمان وغلظة الجَنان ، ولعل المقصود من قولهم ( وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ ) يعني إلى التصديق العملي بأوامرك وتنفيذها ، قال : ( إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ ) بين يدي مالكها ، طبعها النفور وعدم الانصياع ، صعبة لا تنقاد. فهي متمردة على العمل لا ( تُثِيرُ الأَرْضَ ) (٣) أي لا تستخدم في حراثة الأرض كغيرها من البقر الذلول الذي ذُلّل بين يدي صاحبه ( وَلا تَسْقِي الحَرْثَ ) إذ هي ترفض العمل كغيرها في إدارة الناعور ( مُسَلَّمَةٌ ) من العيوب الجسدية ( لاَّ شِيَةَ فِيهَا ) لونها أصفر بالكامل حتى قرنها وظلفها. وهكذا شدّد الله عليهم بتشديدهم على أنفسهم ( قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ ) أي بالوصف
__________________
(١) البقرة ٢ : ٦٩.
(٢) البقرة ٢ : ٧٠.
(٣) البقرة ٢ : ٧١.