مسلّم عند سائر العقلاء ، ومقرر في جميع الشرائع بلا خلاف.
ولا يخفى بأن الاساءة للآخرين لها آثارها السلبية في تحقيق التكافل والتعاون ، واثارة البغضاء والعداوة ؛ لذا كان الأمر بدفعها من أقصر الطرق وأوضحها فائدة ، وأكثرها عائدة ، وذلك بان تقابل بالاحسان ؛ إذ الانسان مجبول على حب وتقدير من أحسن إليه.
وقد حملت لنا هذه الآية التوجيه الفذّ الذي يمكن من خلاله الوصول إلى هذه الغاية السامية ، وذلك بعقد مبدأ الرفق واللطف في عملية التدافع بين الحسن والأحسن فلا يُقدم الحسن على الأحسن ، ولا الفاضل على الأفضل ، أو المهم على الأهم. وهذه قاعدة عقلائية تستذوقها النفوس وترضاها الطبائع وتدعو إليها الفطرة ، وأمر بها الشرع ـ كما عرفت ـ بقوله : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ).
الآية تقول : فرق بعيد بين عملك يا محمّد وأنت تدعو إلى الله وتتحمل الاذى في سبيله صابراً محتسباً وبين عمل الذين أجابوا دعوتك بالإعراض والأذى والافتراء.. إن عملك صلوات وحسنات ، وعملهم سيئات ولعنات.. وعلى الرغم من ذلك فعليك ان ترفق بهم وتتسامح معهم وتصبر على سفاهتهم ، فإنّ منهم من لو قابلته بهذه السماحة لعاد إلى ربّه وعقله ، وانقلبت عداوته لك إلى محبّة ، وبغضه إلى مودّة (١).
كأنه وليٌّ حميم :
ثم أن الآية ـ من أجل إرساء هذه الدعامة المهمة في آثارها
__________________
(١) التفسير الكاشف ٦ : ٤٩٢.