وبعد .. فالقرآن الكريم أراد لنا عبور كل ذلك مع المؤمنين إلى بلوغ صفة التذلل لهم ( أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (١) ، ومن هنا يعلم أن خفض الجناح يستلزم تلك الصفة الراقية التي يستشعر المؤمن من خلالها كرامته ، وتقوى بذلك شخصيته ، ولا ريب أنّه لا يغفل المؤمن سر التذلل له ، ويدرك جيداً أنّه وليد التزام الطرف الآخر برسالته لا خوفاً ولا طمعاً ، وعندها سيندفع الطرف الآخر إلى نفس المبادرة ، فتتم المعادلة ، ويتحقق التوازن في بناء شخصية المؤمن الرسالي على أتم وجه.
لكنّ ذلك إنّما هو وقف على المؤمنين المخلصين والطيبين المتواضعين ، فالتواضع لهؤلاء إنّما هو تواضع لله ، وعلى العكس من ذلك يكون الموقف إزاء الخونة والمفسدين والمنافقين والمتكبّرين ، فالتكبّر عليهم عبادة ، بل جهاد في سبيل الله (٢).
( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ) (٣) الرحمن ربنا سبحانه يعرّف عباده بجملة من الآيات المباركات في نهاية سورة الفرقان ، ويبتدىء ذلك بهاتين الصفتين المذكورتين في الآية المتقدمة.
الصفة الأولى : هي السير على الأرض هوناً أي بسكينة ووقار ،
__________________
(١) المائدة ٥ : ٥٤.
(٢) اُنظر التفسير الكاشف ٤ : ٤٩٠.
(٣) الفرقان ٢٥ : ٦٣.