.................................................................................................
______________________________________________________
في ذلك الشّيء دفع ضرّ عن الآمر ليس فيه تحذّر ، وللناس كلام في نحو هذا المثال : هل قائل : إيّاي والشّرّ آمر نفسه أو آمر غيره؟
قال ابن الحاجب (١) : وقدّر سيبويه (٢) : إيّاي والشّرّ منصوبا بفعل المتكلم ، كأنه آمر لنفسه ، يعني بمعنى : لأباعد نفسي عن الشّرّ ولأباعد الشر عنّي ، وأنكره غيره (٣) وقال : المعنى على أنه يخاطب غيره على معنى : باعدني. وإليه ذهب الزمخشري (٤) ، وكلا التقديرين مستقيم.
وقال ابن عمرون : ويقال : إيّاي والشّرّ ، إيّاي منصوب بإضمار اتّق. والشّرّ معطوف عليه وأقول : هذا التقدير من ابن عمرون يقتضي أنّ هذا الكلام مقصود به التّحذير لا التّحذّر إذ المعنى : أحذّرني والشّرّ وهو خلاف الظاهر ، ثم إذا كان تحذيرا فالظاهر على ما قاله أنه تحذير معنوي لا التحذير الاصطلاحيّ.
ثم قال ابن عمرون : قال سيبويه (٥) ـ يعني في المثال المذكور ـ كأنه قال : إيّاي فلا تعين من الشّرّ أمر نفسه. وقال السيرافي (٦) : وأما إيّاي والشّرّ فليس يخاطب نفسه ولا يأمرها وإنّما يخاطب رجلا يقول له : إيّاي باعد عن الشر ، كأنه قال : نحّني عن الشر ونحّ الشّرّ عنّي. انتهى. وأما قولهم (٧) : إيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب ، فقيل التقدير : إيّاي نحّ عن حذف الأرنب وحذف الأرنب عن حضرتي ، فالكلام جملة واحدة ، هذا معنى قول السيرافي ، إلّا أنه قدّره : باعدوني وحذف أحدكم الأرنب ، وزعم الزجاج أن الكلام جملتان (٨) وأن تقديره : إيّاي وحذف الأرنب ، وإيّاكم وحذف أحدكم الأرنب ، فحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني ، وحذف من الثاني ما أثبت نظيره في الأول قال : لأنه لا يصح أن يقول : ـ
__________________
(١) انظر الإيضاح شرح المفصل (١ / ٣٠٧).
(٢) في الكتاب (١ / ٢٧٣ ، ٢٧٤) ومن ذلك أيضا قولك : إيّاك والأسد وإيّاي والشّرّ كأنه قال : إيّاك فاتّقينّ والأسد وكأنه قال : إيّاي لأتقينّ والشّر».
(٣) انظر ابن يعيش (٢ / ٢٦).
(٤) انظر المفصل (ص ٤٩).
(٥) الكتاب (١ / ٢٧٤).
(٦) انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي (٣ / ٢٦) (رسالة).
(٧) التذييل ٤ ورقة (٢٤٠ / ب).
(٨) انظر التذييل (خ) ج ٤ ورقة (٢٤٠ / ب) والارتشاف (٢ / ٥٨١) تحقيق د / النماس.