.................................................................................................
______________________________________________________
وأما «كن كما أنت» فذكر ابن عصفور أنه يحتمل وجهين :
أحدهما : ما تقدم ذكره ، قال : وعلى ذلك حمله الأخفش (١) بأن «ما» كفت الكاف عن العمل ، وهيأتها للدخول على الجمل كما في «ربما» ، ويجوز إذ ذاك أن يكون «أنت» مبتدأ والخبر محذوف ، والتقدير : كن كما أنت عليه ، قال : وتكون الكاف إذ ذاك لتشبيه معنى الجملة التي قبلها بمعنى الجملة التي بعدها ، وكأنه أمره بأن يكون منه في ما يستقبل كون يشبه كونه في الحال ، ويكون ذلك نظير قوله تعالى حكاية : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ)(٢) ونظير قول القائل :
٢٥٩٥ ـ وإنّ بنا لو تعلمين لغلّة |
إليك كما بالحائمات غليل (٣) |
وقول الآخر :
٢٥٩٦ ـ لقد علمت سمراء أنّ حديثها |
نجيع [٤ / ٢٠] كما ماء السّماء نجيع (٤) |
ويجوز أن يكون «أنت» مرفوعا بفعل مضمر ، والأصل : كن كما كنت ، ثم حذف الفعل ، وانفصل الضمير ، فيكون نظير ما روي من قول الشاعر :
٢٥٩٧ ـ وما زرتنا في الدّهر إلّا لعلّة |
كما اليائس العجلان ثمّ يغيب (٥) |
أي كما يزور اليائس العجلان ؛ لأن «ثم يغيب» معطوف على الفعل المضمر والكاف باقية أيضا على معناها من التشبيه.
ثم قال ابن عصفور : ويجوز عندي في : كما أنت وجه آخر ، وهو أن يقال : إن «ما» زائدة ، و «أنت» في موضع خفض بالكاف ووقع ضمير الرفع المنفصل بعد الكاف كقولهم : ما أنا كأنت ، وفصل بين الكاف ومجرورها بـ «ما» الزائدة (٦) هكذا ذكر. ولم يظهر لي على هذا التقدير ما هو معنى هذا التركيب ، وإذ هذا الذي قرره يؤدي إلى أن يصير المعنى : كن كإياك أي كن كنفسك ، وهذا لا يقال ، لكن قال : هو أنك تكون شبهته فيما يستعمل بنفسه قبل ذلك. قال : ولا ينكر تشبيه الشيء بنفسه في حالتين مختلفتين.
وقال ابن أبي الربيع في «كن كما أنت» : «ما» بمعنى «الذي» ، وما بعده صلة ـ
__________________
(١) راجع الارتشاف (٢ / ٤٣٨).
(٢) سورة الأعراف : ١٣٨.
(٣) البيت في الارتشاف (٢ / ٤٣٧) ، والتذييل (٧ / ٦٥ / أ).
(٤) من الطويل وينسب لذي الرمة ديوانه (ص ٦٧٠) وأمالي القالي (١ / ٢٩).
(٥) من الطويل وهو من شواهد أبي حيان في التذييل (٧ / ٦٥ / أ).
(٦) ينظر التذييل (٤ / ٣١ ، ٣٢).