قائم» ؛ فكذلك يجب أن يكون المفعول في معنى الفاعل ؛ فلهذا امتنع في «كان» ما جاز في «ضرب» لا لما ادعيتم ، على أنا لا نقول إنّ كان بمنزلة ضرب ، فإن ضرب فعل حقيقي يدل على حدث وزمان ، والمرفوع [به] فاعل حقيقي ، والمنصوب به مفعول حقيقي ، وأما «كان» فليس فعلا حقيقيا ؛ بل يدل على الزمان المجرد عن الحدث ، ولهذا يسمى فعل [٣٥٠] العبارة ، فالمرفوع به مشبه بالفاعل والمنصوب به مشبه بالمفعول ؛ فلهذا سمّي المرفوع إسما ، والمنصوب خبرا ، ولهذا المعنى من الفرق لما كان ضرب فعلا حقيقيا جاز إذا كنّي عنه ـ نحو «ضربت زيدا» ـ أن يقال : فعلت بزيد ، ولما كانت «كان» فعلا غير حقيقي ، بل في فعليتها خلاف ؛ لم يجز إذا كنّي عنها نحو «كنت أخاك» أن يقال : فعلت بأخيك.
وأما قولهم : «إنه يحسن أن يقال : كان زيد في حالة كذا ، وكذلك يحسن أيضا في ظننت زيدا قائما : ظننت زيدا في حالة كذا ؛ فدل على أن نصبهما نصب الحال» قلنا : هذا إنما يدل على الحال مع وجود شروط الحال بأسرها ، ولم يوجد ذلك ؛ لأنه من شروط الحال أن تأتي بعد تمام الكلام ، ولم يوجد ذلك في «كان» الناقصة التي وقع فيها الخلاف ، دون التامة التي بمعنى وقع ، ولم يوجد أيضا في المفعول الثاني لظننت التي بمعنى الظن أو العلم التي وقع فيها الخلاف ، لا التي بمعنى التّهمة ، وكذلك من شروطها ألا تكون إلا نكرة ، وكثيرا ما يقع خبر كان والمفعول الثاني لظننت معرفة ، ولو كانا حالا لما جاز أن يقعا إلا نكرة ؛ فلما جاز أن يقعا معرفة دل على أنهما ليسا بحال.
قولهم : «إنما جاز ذلك لأن المعرفة أقيمت مقام الحال ، كما أقيمت الآلة مقام المصدر في قولهم : ضربت زيدا سوطا» قلنا : الفرق بينهما ظاهر ، وذلك أنه إنما حسن أن ينصب «سوطا» على المصدر ؛ لأنه نكرة قام مقام نكرة ، فأفاد فائدته ، فحسن أن ينصب بما نصب به لقيامه مقامه ، وأما هاهنا فلا يحسن أن يقوم المعرفة مقام الحال ؛ لأن الحال لا تكون إلا نكرة ، وهو معرفة ؛ فلا يفيد أحدهما ما يفيده الآخر ؛ فلا يجوز أن يقام مقامه ؛ فلا يجوز أن ينصب بما نصب به.
وأما قولهم : «إن الحال قد جاء معرفة في قولهم : أرسلها العراك ، وطلبته جهدك ، ورجع عوده على بدئه» قلنا : هذه الألفاظ مع شذوذها وقلتها ليست أحوالا ، وإنما هي مصادر دلّت على أفعال في موضع الحال ، فإذا قلت «أرسلها العراك» فالتقدير فيه : أرسلها تعترك العراك ، على معنى تعترك الاعتراك ، فأقاموا «العراك» مقام الاعتراك ، كما قال تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] ثم حذفوا «تعترك» وهو جملة في موضع [٣٥١] الحال ، وأقاموا المصدر دليلا