من كلامهم إلا في بيت واحد أنشده قطرب :
[٤٤٩] فإنّك لا تدري متى الموت جائيء |
|
ولكنّ أقصى مدّة الموت عاجل |
______________________________________________________
[٤٤٩] هذا البيت من شواهد الأشموني (رقم ٣٨) وروى صدره «لعمرك ما تدري متى الموت جائي» وحفظي في عجزه «أقصى مدة العمر» و «لعمرك» ـ بفتح العين هنا وسكون الميم ـ اللام فيه لتوكيد الابتداء ، والخبر محذوف وجوبا ، أي لعمرك قسمي ، أو لعمرك ما أقسم به ، وإذا لم تدخل عليه اللام نصبته نصب المصادر ، كما قال عمر بن أبي ربيعة :
أيها المنكح الثريا سهيلا |
|
عمرك الله كيف يلتقيان؟ |
و «تدري» أي تعلم ، و «عاجل» قريب. ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «جائىء» واعلم أولا أن هذه الكلمة تروى بهمزتين وتروى بهمزة فياء متحركة بحركة الإعراب وهي الضمة ، واعلم ثانيا أن الأصل الأصيل في هذه الكلمة «جايىء» بياء ثم همزة ، لأنه اسم الفاعل من جاء يجيء مثل باع يبيع ، فانقلبت ياؤه همزة لوقوعها عين اسم فاعل فعل أعلت فيه ، أو لكونها بعد ألف زائدة ، فصار «جائىء» بهمزتين والقياس في مثل ذلك أن تقلب الهمزة المتطرفة ياء لكونها ثانية همزتين في موقع اللام من الكلمة فيقال «جائي» والنحاة يروونه على هذه الصورة ويحرّكون الياء بالضمة ، ويقولون : إن الشاعر عامل حرف العلّة معاملة الحرف الصحيح ، وبعبارة أخرى : إن الشاعر عاود الأصل المهجور ، ورجع إليه ، وترك الفرع الذي صار إليه العمل ـ وهو تقدير الضمة والكسرة على الياء أو الواو لثقل كل من الضمة والكسرة على كل من الواو والياء ـ وهذا الرجوع ضرورة من ضرورات الشعر ، ونظيره قول جرير بن عطية يهجو الفرزدق :
وعرق الفرزدق شر العروق |
|
خبيث الثرى كأبي الأزند |
فقد جاء بقوله «كأبي» مرفوعا ، وعامل الياء معاملة الحرف الصحيح فلم يقدر عليها الضمة ، ونظيره قول الآخر :
تراه ـ وقد بد الرماة ـ كأنه |
|
أمام الكلاب عنهم مصغي الخد |
الرواية برفع «مصغي» بضمة ظاهرة على الياء على أنه خبر «كأن». ونظيره قول القطامي :
ما للعذارى؟ ودعن الحياة كما |
|
ودعنني ، واتخذن الشيب ميعادي |
محل الاستشهاد قوله «ما للعذارى» فقد جاء بكسر الياء ، والكسرة أخت الضمة كما قلنا ، ونظير ذلك في الفعل قول الشاعر :
إذا قلت علّ القلب يسلو قيضت |
|
هواجس لا تنفك تغريه بالوجد |
الشاهد فيه قوله «يسلو» فقد جاء الشاعر بهذا الفعل مرفوعا بضمة ظاهرة على الواو ، ومثله قول الآخر :
فقمت إلى عنز بقية أعنز |
|
فأذبحها ، فعل امرىء غير نادم |
فعوضني منها غناي ولم تكن |
|
تساوي عندي غير خمس دراهم |
الشاهد في قوله «تساوي» حيث جاء الشاعر بهذا الفعل مرفوعا بالضمة الظاهرة ولم يبال بأن الضمة ثقيلة على الياء ، من قبل أن الأصل الأصيل هو أن تظهر حركات الإعراب على الحروف متى أمكن أن تظهر عليها.