فالنون ساكنة وقبلها همزة مخففة بين بين ، فعلم أنها متحركة ؛ لاستحالة التقاء الساكنين في هذا الموضع ، وهذا لأن الهمزة إنما جعلت بين بين كراهية لاجتماع الهمزتين ؛ لأنهم يستثقلون ذلك ، ولم يأت اجتماع الهمزتين في شيء
______________________________________________________
التقى في هذه الكلمة همزتان أولاهما همزة الاستفهام والثانية همزة أن المصدرية ؛ ولك أن تحقق الهمزتين فتأتي بهما على أصلهما فتقول «أأن» ولك أن تخفف الهمزة الثانية ، وقد ذهب البصريون إلى أنك إذا خففت الثانية جئت بها متحركة وجعلتها حرفا بين الهمزة وحرف العلّة ؛ وقال الكوفيون : همزة بين بين ساكنة ، ويرد عليهم مثل هذا البيت ، ووجه الردّ أن النون بعد الهمزة الثانية ساكنة ؛ فلو كانت الهمزة ساكنة أيضا لالتقي ساكنان على غير الحد الجائز ، وذلك مما لا يجوز ، وقد روي أن ورشا قرأ في قوله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ) بقلب الهمزة الثانية ألفا ، وقد أنكر هذه القراءة الزمخشري وزعم أن ذلك لحن وخروج عن كلام العرب من وجهين : أحدهما أنه يلزم على هذه القراءة الجمع بين ساكنين على غير الحد الذي يجوز فيه التقاء الساكنين ؛ والثاني أن طريق تخفيف همزة بين بين هو بالتسهيل لا بالقلب ألفا ؛ لأن القلب ألفا هو طريق تخفيف الهمزة الساكنة ، لكن هذا الكلام فيه إلزام الكوفيين بما لم يلتزموه ؛ لأن هذا الذي قاله الزمخشري في رد قراءة ورش هو قواعد البصريين التي أصلوها وجعلوها معيارا لأنفسهم ؛ وقد قلنا مرارا : إنه لا يجوز الردّ على قوم بمذهب غير مذهبهم ؛ كما قلنا مرة أخرى : إن القراءة سنة متبعة ؛ فليست خاضعة لما يراه فريق من النحاة ؛ والكوفيون يجيزون التقاء الساكنين في مثل هذا الموضع ، ولعلهم يلتزمون تحقيق الهمزتين في مثل هذا البيت. ونظيره قول الشاعر ؛ وهو من شواهد ابن يعيش :
أأن زم أجمال وفارق جيرة |
|
وصاح غراب البين أنت حزين؟ |
ونظيره أيضا قول ذي الرمة غيلان :
أأن ترسمت من خرقاء منزلة |
|
ماء الصبابة من عينيك مسجوم؟ |
ونظيره أيضا قول ابن هرمة :
أأن تعنت على ساق مطوقة |
|
ورقاء تدعو هديلا فوق أعواد؟ |
ونظيره قول مجنون بني عامر :
أقول لظبي يرتعي وسط روضة : |
|
أأنت أخو ليلى؟ فقال : يقال |
ونظيره قول ذي الرمة (كامل المبرّد ٢ / ١٦٨) :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل |
|
وبين النقا أأنت أم أم سالم؟ |
ونظيره قول الشاعر :
أألخير الذي أنا أبتغيه |
|
أم الشر الذي لا يأتليني؟ |
ونظيره قول عمر بن أبي ربيعة :
أألحق إن دار الرباب تباعدت |
|
أو انبت حبل أن قلبك طائر؟ |
ونظيره قول تميم بن أبي بن مقبل :
أأم تميم إن تريني عدوكم |
|
وبيتي فقد أغنى الحبيب المصافيا |