ولهذا لم يأت في كلامهم ما عينه همزة ولامه همزة كما جاء ذلك في الياء والواو نحو «حيّة ، وقوّة» وكذلك الحروف الصحيحة نحو «طلل ، وشرر» وما أشبه ذلك ؛ فلما كانوا يستثقلون اجتماع الهمزتين قربوا هذه الهمزة من حرف العلة ، وذلك لا يوجب خروجها عن أصلها من كل وجه ، ولا سلب حركتها عنها بالكلية.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم : «إنه لا يجوز أن تقع مبتدأة» قلنا : إنما لم يجز أن تقع مبتدأة لأنها إذا جعلت بين بين اختلست حركتها وقربت من الساكن ، والابتداء إنما يكون بما تمكنت فيه حركته ، وإذا جعلت بين بين فقد زال ذلك التمكن وقربت من الساكن ، وكما لا يجوز الابتداء بالساكن فكذلك لا يجوز الابتداء بما [٣٠٧] قرب منه.
ألا ترى أنّهم لم يخرموا متفاعلن من الكامل ـ وهو حذف الحرف الأول ـ كما خرموا فعولن ؛ لأجل أن متفاعلن يسكن ثانية إذا أضمر ، والإضمار إسكان الثاني ، فكان يبقى متفاعلن فينقل إلى مستفعلن ، فلو خرموه في أول البيت لأدّى ذلك إلى الابتداء بالساكن في حال ؛ فجرى خرمه مجرى خرم مستفعلن ؛ فلما كان يفضي إلى الابتداء بالساكن رفضوه ، فكذلك هاهنا : لما قربت من الساكن بجعلها بين بين رفضوا الابتداء بها.
وحكي عن أبي علي الفارسيّ أنه سئل عن الخرم في متفاعلن في حال شبابه ، ولم يكن عنده حينئذ مذهب أهل العروض ، فأجاب بهذا الجواب ، وقال : لا يجوز ؛ لأنه يؤدي إلى الابتداء بالساكن من الوجه الذي بيّناه ، والله أعلم.
______________________________________________________
نقول : إن كل النّحاة يرون في بيت الشاهد «متى الموت جائي» بالياء مرفوعة بالضمة الظاهرة ـ على أن الشاعر ارتكب الضرورة ، والضرورة هي معاودة الأصول المهجورة رغبة في إقامة وزن أو نحوه ، ولكن قطرب بن المستنير روى هذه الكلمة «متى الموت جائىء» بهمزتين ؛ ليفرّ من هذه الضرورة ، وفاته أنه وقع في ضرورة أخرى وذلك لأن الهمزتين المتطرفتين إذا تحركتا وانكسرت أولاهما وجب قلب الثانية ياء ، وذلك لأن آخر الكلمة يعرض التسكين للوقف ، فتكون الثانية كأنها متطرفة ساكنة إثر أخرى مكسورة ، فبقاء الهمزتين ليس هو المستعمل في العربية ، فيكون ضرورة ، فيصدق عليه المثل «هرب من المطر فوقف تحت ميزاب».