فمن الشاذ الذي لا يعرّج عليه ولا يؤخذ به بالإجماع.
قالوا : ولا يجوز أن يقال «الدليل على أنها حرف جر أنها تدخل على ما الاستفهامية كما يدخل عليها حرف الجر ؛ فيقال : كيمه ، كما يقال : «لمه» لأنّا نقول : مه من كيمه ليس لكي فيه عمل ، وليس في موضع خفض ، وإنما هو في موضع نصب ؛ لأنها تقال عند ذكر كلام لم يفهم ؛ يقول القائل : أقوم كي تقوم ، فيسمعه المخاطب ولم يفهم «تقوم» فيقول : كيمه؟ يريد كي ما ذا ، والتقدير : كي ماذا تفعل ، ثم حذف ، فمه : في موضع نصب ، وليس لكي فيه عمل.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أنها تكون حرف جر دخولها على الاسم الذي هو «ما» الاستفهامية كدخول اللام وغيرها من حروف الجر عليها ، وحذف الألف منها ؛ فإنهم يقولون «كيمه» كما يقولون «لمه».
والدليل على أنها في موضع جر أن الألف من «ما» الاستفهامية لا يحذف إلا إذا كانت في موضع جر واتصل بها الحرف الجار ، كقولهم : لم ، وبم ، وفيم ، وعمّ ، قال الله تعالى : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢] وقال تعالى : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر : ٥٤] وقال تعالى : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) [النازعات : ٤٣] وقال تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النبأ : ١] فأما إذا اتصل بماذا فلا يجوز حذف الألف منها ، وإن اتصل بها حرف الجر ، فلا يجوز أن يقال في لماذا وبماذا وفيماذا وعمّاذا : لم ذا ، وبم ذا ، وفيم ذا ، وعمّ ذا ؛ لأن ما صارت مع ذا كالشيء الواحد ، فلم يحذف منها الألف ، وكذلك إذا وقعت في صدر الكلام لا يجوز أن يحذف الألف منها ؛ كقولهم : ما تريد ، وما تصنع ، ولا يجوز أن يقال : م تريد ، وم تصنع ، فلما حذف الألف منها في قولهم «كيمه» كما يحذف مع حرف الجر دلّ على أنها حرف جر ،
______________________________________________________
مما يفعل به قومه ، وأراد بقوله «ما بهم» ما في أنفسهم من الحسيكة والغل والحقد والحسد ، ومحل الاستشهاد من هذا البيت قوله «للما بهم» حيث أكد الشاعر اللام الجارة ـ وهي حرف غير جوابي ـ توكيدا لفظيا فأعادها بنفس لفظها الأول من غير أن يفصل بين المؤكد والتوكيد ، وتوكيد الحروف غير الجوابية من غير فصل بين المؤكد والتوكيد في نفسه شاذ ، وهو في هذا الموطن من هذا البيت بالغ الغاية في الشذوذ ، بسبب كون المؤكد والتوكيد على حرف واحد ، وكل النحاة يروون البيت على الوجه الذي رواه للمؤلف عليه ، ويستدلون به لما قلنا ، ولكن ابن الأعرابي روى البيت على وجه آخر ، وهو :
فلا والله لا يلفى لما بي |
|
وما بهم من البلوى دواء |
وعلى هذا يخلو البيت من الشذوذ ومن الشاهد على ما جاء به المؤلف من أجله ، فاعرف ذلك.