وإنما حذفت مع حرف الجر لأنها صارت مع حرف الجر بمنزلة كلمة واحدة ، فحذفت الألف منها للتخفيف ، ودخلها هاء السكت صيانة للحركة عن الحذف ، فصار : كيمه ، ولمه ، وبمه ، وفيمه ، وعمه ، وقد يجوز أن يكونوا أبدلوا [٢٣٧] الهاء من الألف في «ما» كما أبدلوها من الألف في أنا فقالوا «أنه» وفي حيهلا فقالوا «حيهله» وقول الكوفيين «إن مه في موضع نصب» فسنبين فساده في الجواب إن شاء الله تعالى.
أما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما قولهم «إن كي من عوامل الأفعال ؛ فلا يجوز أن تكون من عوامل الأسماء» قلنا : هذا الحرف من عوامل الأفعال في كل الأحوال ، أو في بعض الأحوال؟ فإن قلتم في كل الأحوال فلا نسلم ، وإن قلتم في بعض الأحوال فنسلم ، وهذا لأن كي على ضربين ؛ أحدهما : أن تكون حرف نصب من عوامل الأفعال كما ذكرتم ، وذلك إذا دخلت عليها اللام كقولك «جئتك لكي تكرمني» كما قال تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) [الحديد : ٢٣] فكي هاهنا هي الناصبة بنفسها من غير تقدير أن ، ولا يجوز أن تكون هاهنا حرف جر ؛ لأن حرف الجرّ لا يدخل على حرف الجرّ ، وهذا لا إشكال فيه ، والثاني : أن تكون حرف جر كاللام نحو «جئتك كي تكرمني» فهذه كي حرف جر بمنزلة اللام ، والفعل بعدها منصوب بتقدير «أن» كما هو منصوب بعد اللام بتقدير «أن» وحذفت فيهما طلبا للتخفيف.
والذي يدلّ على أنها بمنزلة اللام أنها في معنى اللام ، ألا ترى أنه لا فرق بين قولك «جئتك كي تكرمني» وبين قولك «جئتك لتكرمني» وإذا كانا بمعنى واحد فلا معنى لترك الظاهر لشيء لم يقم عليه دليل ؛ فدل على أنها تكون حرف جر كما تكون حرف نصب ، فإذا ذهبت بها مذهب حرف الجر لم تتوهم فيه غيره ، وإذا ذهبت بها مذهب حرف النصب لم تتوهم فيه غيره ؛ فهي وإن كانت حرفا واحدا فقد نزلت منزلة حرفين ، وصار هذا كما قلتم في «حتى» فإنها تنصب الفعل في حال من غير تقدير ناصب ، وتخفض الاسم في حال من غير تقدير خافض ، على الصحيح المشهور من مذهبكم ، ولم يمنع كونها ناصبة للفعل أن تكون خافضة للاسم ، فكذلك هاهنا ، وكذلك أيضا «حتى» تكون خافضة وتكون عاطفة ، وكذلك قلتم إن «إلّا» تكون ناصبة وتكون عاطفة ، وكذلك «حاشى» و «خلا» تكونان ناصبين وخافضين ، واللفظ فيها كلها واحد ، والعمل مختلف ، فكذلك هاهنا.
وأما قولهم : «إن مه في موضع نصب» قلنا : هذا باطل ؛ لأنها لو كانت [٢٣٨] ما في موضع نصب لكان ينبغي أن لا يحذف الألف من ما ؛ لأنها لا يحذف