.................................................................................................
______________________________________________________
من دلالته على المكان ؛ لأنه يدل على الزمان بصيغة وبالتزام ، ويدل على المكان بالتزام فقط. فلما كانت دلالة الفعل على الزمان قوية تعدى إلى المبهم من أسمائه والمختص ، ولما كانت دلالته على المكان ضعيفة لم يتعد إلا إلى المبهم منها ؛ لأن في الفعل دلالة عليه في الجملة ، وذكروا أيضا تعليلا ألطف من هذا وهو أن الأفعال لها دلالة على الزمان المعين فتعدت إلى المعين وإلى غير المعين ؛ لأن ما تعدى إلى الأخص تعدى إلى الأعم ، وليس للأفعال دلالة على الأمكنة المعينة ، وإنما تقتضي مكانا غير معين وهو المبهم ، فتعدت إلى ما اقتضته خاصة (١).
وإذا كان النحاة قد ذكروا أن الذي يتعدى إليه العوامل من ظروف المكان شيء واحد ، فيقال : إن المصنف قد ذكر أن الصالح للظرفية القياسية من أسماء الأمكنة أربعة أنواع ، وهذا بظاهره يوهم أن كلامه لم يطابق كلام الجماعة ، والجواب أن الذي ذكره إنما هي أنواع داخلة تحت جنس المبهم ، وذلك أن الجنس لما تنوع قصد أن يميز نوعا عن نوع وما للإيضاح والبيان ، فذكر أولا ما دل على مقدر كميل وفرسخ وبريد ، ولا شك أن هذا مبهم كما سيأتي بيانه ، وذكر ثانيا ما دل على مسمى إضافي محض ، وفسر ذلك بأنه الذي لا يعرف حقيقته بنفسه بل بما يضاف إليه كمكان وناحية وما شابههما مما ذكره ، وإبهام هذا القسم أوضح من إبهام القسم الأول ، وذكر رابعا ما دل على محل الحدث المشتق هو من اسمه كمقعد ومرقد بشرط أن يكون العامل فيه أصله أو مشارك له في الفرعية ، وأما الذي ذكره ثالث الأقسام وهو ما جرى باطراد مجرى ما ذكره قبله كما قال ، وذلك كصفة المكان الغالبة نحو : هم قريبا منك وشرقي المسجد وقرب الدار فليس قسما مستقلّا إنما هو في الأصل صفة لمكان مبهم منصوب على الظرفية نصبا قياسيّا ؛ فلما حذف الموصوف أقيم هو مقام موصوفه ، فنصبه على الظرف ليس بحق الأصالة إنما هو بطريق النيابة عما يستحق ذلك ، وإذا كان كذلك فالأقسام بالحقيقة ثلاثة لا أربعة ، واعلم أن ابن عصفور جعل نحو قعد مني مقعد القابلة ونحوه مما هو مشتق من لفظ الفعل العامل فيه من الظروف المختصة ، وقال : إن الفعل تعدى إليها لشبهها بالمصدر في أن الفعل يدل على أن كل واحد [٢ / ٤٥٤] منهما بلفظه ، والإمام بدر الدين ـ
__________________
(١) هذان التعليلان علل بهما ابن الناظم في شرح الألفية له (ص ١٠٨ ، ١٠٩).