وقد استشهدوا بالبيت الثاني على أن بعض النحويين استدل به على عطف الإنشاء ، «وهو قوله : وكحل» على الخبر ، وهو قوله «تناغي» ... ويحتمل أن تكون رواية البيت بالفاء (فكحل) والكلام على الاستئناف أو تكون الفاء للتعليل ، والمعنى : إنك لست رجلا ... فكحل عينيك ، لأنك مثل النساء ، وهناك رواية للبيت «فغنّ» وعندئذ ، فلا شاهد في البيت. [شرح أبيات مغني اللبيب / ٧ / ٦٢].
(١٦٠) وعند الذي واللات عدنك إحنة |
|
عليك فلا يغررك كيد العوائد |
ـ البيت مجهول القائل .. واللات : لغة في «اللاتي» والإحنة : الحقد ، وهو مبتدأ مؤخر خبره المقدم «عند» ، وقد ذكره ابن هشام شاهدا على حذف الصلة ، لدلالة صلة أخرى .. أي : الذي عادك .. وعدنك : من العيادة وهي زيارة المريض. والعوائد : جمع عائدة ، ويدخل فيه المذكر بطريق التغليب. [شرح أبيات مغني اللبيب / ٧ / ٣١٠].
(١٦١) وناهدة الثديين قلت لها اتّكي |
|
على الرمل من جنباته لم توسّد |
فقالت على اسم الله أمرك طاعة |
|
وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد |
... البيتان لعمر بن أبي ربيعة .. وقوله : وناهدة : أي : ورب ناهدة .. واتكي : توسدي. وجملة : لم توسّد : حال من الهاء في «لها» والمعنى قلت لها غير موسدة. وقوله : على اسم الله : متعلق بمحذوف على أنه حال و «على» بمعنى «مع» والمقول محذوف تقديره : فقالت : أفعل مع ذكر الله .. وقد ذكر النحويون البيت الثاني شاهدا على تقدير المبتدأ المحذوف في قوله تعالى (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : ٢١] عند من قدّر المحذوف مبتدأ. وفي البيت : أمرك مبتدأ ـ وطاعة : خبره.
والبيتان مع بقية القصيدة ، يمثلان إحدى مغامرات عمر بن أبي ربيعة ، المختلقة الصادرة عن أحلام اليقظة ، أو من خيالات الشاعر ، ومؤرخو الحياة الاجتماعية في الحجاز ، يجعلون هذه القصيدة ، وغيرها من شعر عمر ، دليلا على فشو الفساد الاجتماعي في المدينة في عهد عمر .. والقصيدة مع كونها خيال شاعر كاذب ، هي أيضا قصة غير محبوكة ، ولا تتلاءم مع الطبيعة المعروفة للمرأة ، فالشاعر يذكر فتاة ناهدة الثديين ، أمرها بالاتكاء على الرمل ، فما أن سمعت قوله حتى استجابت ، ويحكي بعد ذلك قصة ليلة معها .. أقول : إن القصة غير محبوكة ، لأن من طبيعة الفتاة ، حتى وإن كانت راغبة في الشهوة أن تتمنع وتظهر الدلال ، لإثارة شوق صاحبها ، وإظهار منزلتها.