وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو لا قومك حديثو عهد بكفر ...» ، وعلى عادة النحويين ، فإنهم يحاولون إيجاد تأويلات بعيدة ، إذا وجدوا نصوصا تخالف قواعدهم ... وكان عليهم أن يعترفوا ، أن كلام العرب كثير ، وقد وصلهم منه شيء وغابت عنهم أشياء ، فإذا ظهر فيما بعد ، ما ينقض القاعدة ، فلا بأس في إضافة ما كشف عنه النص الجديد ... ولذلك نجدهم يؤولون هذا الشاهد وغيره ويعربون (تخشى) بدل اشتمال ، على أن الأصل (أن يمسكه) ثم حذف أن وارتفع الفعل ـ أو تقدير (تخشى) جملة معترضة ، ومنهم من قال ، بأنها حال .. ورفض ذلك الأخفش ، لأنهم لا يذكرون الحال بعدها لأنه خبر في المعنى .. ويعجبني في هذا المقام ابن مالك صاحب الألفية ، الذي اتخذ الحديث الشريف مصدرا أصيلا من مصادر اللغة والنحو فقال عند حديث (لو لا قومك حديثو عهد بكفر ..) : تضمّن هذا الحديث ثبوت الخبر بعد لو لا ، وهو مما خفي على النحويين ، وجعل المبتدأ بعد لو لا على ثلاثة أضرب :
الأول : مخبر عنه بكون غير مقيّد نحو «لو لا زيد لزارنا عمرو» فمثل هذا يحذف خبره ، لأن المعنى ، لو لا زيد على كلّ حال من أحواله لزارنا عمرو ، فلم تكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها.
الثاني : مخبر عنه بكون مقيّد ، لا يدرك معناه إلا بذكره نحو «لو لا زيد غائب لم أزرك». فخبر هذا النوع واجب الثبوت ، لأنّ معناه يجهل عند حذفه ، ومنه الحديث «لو لا قومك حديثو عهد بكفر ..» فلو اقتصر في مثل هذا على المبتدأ لظنّ أنّ المراد : لو لا قومك على كل حال من أحوالهم ، لنقضت الكعبة ، وهو خلاف المقصود ، لأن من أحوالهم ، بعد عهدهم بالكفر فيما يستقبل ، وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة.
الثالث : وهو المخبر عنه بكون مقيّد يدرك معناه عند حذفه ، كقولك : «لو لا أخو زيد ينصره ، لغلب» فيجوز في مثل هذا إثبات الخبر وحذفه لأنّ فيها شبها بـ (لو لا زيد لزارنا عمرو) وشبها بـ (لو لا زيد غائب لم أزرك). فجاز فيها ما وجب فيهما من الحذف والثبوت .. ، اه.
ويمكن أن يقال في (لو لا الله تخشى ...) ما قيل في النوع الثالث .. فلو قالت : «لو لا الله لزعزع» استقام المعنى ، وفهم المقصود .. ولمّا قالت : (لو لا الله تخشى ..) عينت حالة من الحالات التي تعتري المسلم عند ذكر ربّه ، وهي الخشية ، بل إن الإخبار عن الله