.................................................................................................
______________________________________________________
لعمل حيث وجد ، ونحن نرى العرب تقول : ليس زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد برفع قاعد على الجواز ، وما زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد على الوجوب مع كونه مخالفا لما قبله ، فبان فساد ما ذكروه. وفساد النصب على الخلاف مذكور في موضعه من النحو بأحسن بيان ، فلا حاجة إلى الإطالة فيه (١).
وأما المذهب المروي عن الكوفيين آخرا ، وهو أن الخبر محذوف تقديره ثابت أو موجود ـ ففاسد أيضا (٢) ؛ لأنه تقدير ما ليس في اللفظ دليل عليه كما تقدم ؛ فإنه كما يقدر ثابت جاز أن يقدر أيضا منفي ومعدوم وما أشبه ذلك ، ولأنه إذ ذاك يكون حذف الخبر جائزا لا واجبا ؛ لأن قائما حينئذ يكون حالا من زيد ، والعامل فيه المصدر ، فلا تكون الحال سادة مسد الخبر ، فلا يلزم حذفه ، وإنما يجب حذف الخبر في مثل هذا إذا سدت الحال مسده ؛ لأن الحال إذ ذاك عوض من الخبر بدليل أن العرب لا تجمع بينهما ، ولا يحذف خبر هذه المصادر إلا مع وجود الأحوال للمناسبة التي بين الحال والخبر ؛ لأن أصل الخبر التنكير كالحال ، ولأن الحال هي صاحبها كما أن الخبر المفرد هو المبتدأ ، والحال مقيدة كما أن الخبر كذلك ، ففهم من عدم اجتماعهما قصر العوضية ، ولا يتصور العوضية إلا على قول من قدم الخبر قبل الحال.
ولأنك إذا قدرت الخبر : ثابت أو موجود ، وجعلت قائما حالا من زيد ـ فلا ـ
__________________
(١) النصب على الخلاف مذهب مشهور في كتب النحو قال به الكوفيون وخرجوا عليه كثيرا من الأسماء المنصوبة. من ذلك الظرف الواقع خبرا مثل : زيد أمامك ، ومن ذلك المفعول معه مثل : سرت والنيل ، ومن ذلك أفعل في التعجب لما قالوا باسميته.
وما قالوه من مذهب النصب على الخلاف فاسد لأنه ـ في باب المبتدأ ـ لو كان الموجب لنصب الظرف كونه مخالفا للمبتدأ لكان المبتدأ أيضا يجب أن يكون منصوبا ؛ لأن المبتدأ مخالف للظرف ، كما أن الظرف مخالف للمبتدأ ؛ لأن الخلاف لا يكون من واحد بل من اثنين فصاعدا ، وعليه كان ينبغي أن يقال : زيد أمامك ، وهو لا يجوز. وفي باب المفعول معه يقال : إن ما بعد لكن وبل ولا يكون مخالفا لما قبلها ويأتي مرفوعا ومجرورا تقول : قام زيد لا عمرو ، ومررت بزيد لا عمرو. فإذا كان الخلاف ليس موجبا للنصب مع هذه الأحرف وما بعدها مخالف ـ فلأن لا يكون موجبا للنصب مع الواو التي لا يجب أن يكون ما بعدها مخالفا أولى. وأما أفعل في التعجب فهو فعل للزومه نون الوقاية مع ياء المتكلم ، وأما تصغيره فشاذ. ثم إن الخلاف معنى من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني. انظر فساد النصب على الخلاف كتاب الإنصاف : (١ / ٢٤٧ ، ٢٥٠) وحاشية الصبان على الأشموني : (٢ / ١٣٦) ، (٣ / ١٨).
(٢) التذييل والتكميل (٣ / ٣٠٣).