أخبرك رجل عن آخر خبرا ، كان أوّل ما يسبق إلى خاطرك ، أن تستوثق من صدق المخبر بالنظر في حاله وأمانته ومعاملته ، وغير ذلك من الملاحظات التي تراها ضروريّة لك للتأكّد منه.
فإذا استوثقت من الرجل نظرت بعد ذلك في الخبر نفسه وعرضته على ما يعرض عن صاحبك من أقوال وأحوال ، فإذا اتفق مع ما تعلمه من ذلك ، لم تشك بصدق المخبر والاطمئنان إليه ، وإلّا كان لك أن تتوقّف في قبول الخبر لا لريبة في المخبر ـ فأنت واثق من صدقه ـ بل لشبهة رأيتها في المخبر نفسه ، ويصحّ أن يكون مرجعها وهما أو نسيانا من المخبر ، كما يصح أن ترجع إلى سرّ فيه لأمر لم تتبينه ، فلعلّ هذه الحالة توجب علينا أن نتوقف عند الخبر لنطمئنّ إلى صحّته ولا نتسرّع في حكمنا أنّه كاذب ، وإذا فعلنا ذلك يكون منا إفتئاتا على من أخبرنا ونحن له مصدّقون وبه واثقون» (١).
ومما يجب التنويه عليه هنا : هو انّنا سعينا في هذا الكتاب ـ وبقدر المستطاع ـ تبسيط العبارة والفكرة ، وطرحها بكلا الاسلوبين (القديم والجديد) ، وذلك لحساسية الموضوع ، وكثرة قرّائه من طلاب العلوم الدينية والاكاديميين ، كي لا نجحف أحدا مما نطرحه من بحوث ، ولكي لا يخلو البحث من فائدة لكلتا المجموعتين ، لأنّ البحوث الاسنادية مثلا هي تخصصية بحته فلا يستسيغها الاكاديمي الحديث ، وقد تثقل على غير المتخصص ، ومثلها الحال بالنسبة إلى البحوث الحديثة كـ (نسبة الخبر إليه) فقد لا يرى الاكاديميي الإسلامي فائدة في طرحها.
فالذي نرجوه من قرائنا هو أن يعيرونا صبرا ، وأن يقرءوا الاسلوبين معا ، كي يحصلوا على الفائدة المرجوة من هذه الدراسة ، وأن يدركوا بأنّ ما كتبناه ليس خارجا عن الموضوع بل يشكلان دعامتين لخطوة واحدة.
وعليه فيكون مجال عملنا «نسبه الخبر إليه» في ثلاثة محاور :
١ ـ إمكان صدور هذا الخبر عن هذا الفرد بعينه وعدمه؟
٢ ـ عرضها على سيرته العلمية والعملية قولا وفعلا وتقريرا ، للوقوف على
__________________
(١) نقد الحديث ١ : ٤٣١ ـ ٤٣٢ للدكتور حسين الحاج حسن ، ط مؤسسة الوفاء / بيروت.