للآخرين بمخالفتها ، وعثمان كان يعتقد بأنّه لا يقلّ عن الشيخين بشيء ، فما هو المبرر لتمسّكه بسيرتهما دون أن يجعل لنفسه سيرة واجتهادات خاصة؟! لقد سار عثمان على سيرة الشيخين مدّة من الزمن ، حتّى إذا أراد الاستقلال بالرؤية وجعل نفسه ثالثة الأثافي في إعلام مدرسة الاجتهاد ، انتقضت عليه الأطراف وتعالت صرخات الاحتجاج ، لأنّ اجتهاداته وسّعت الدائرة الأولى فأخرجت عثمان عن العهد الذي التزم به وقطعه على نفسه ، كما أخرجت الاجتهاد عمّا أريد له من تأطير وحصر ، وبذلك اكتملت حلقات الاجتهاد والرأي عند الشيخين حتّى بلغت أوجها عند عثمان مما حد بالصحابة أن يتهموه بتحريف الدين وتقويضه ، ثمّ تشبيههم إيّاه بنعثل اليهودي ، ووو ..
ولذلك وجدنا كثرة الناقضين على عثمان آراءه ، ومعارضتهم لفقهه الجديد الذي أراد تطبيقه في كثير من المفردات الفقهية ، ومنها الوضوء كما رأيت وسترى.
عثمان والوضوء
لقد اتضحت عواقب الاجتهاد بجلاء في زمن عثمان ، حتّى أصبح المسلمون لا يطيقون تحمّلها ، فثارت ثائرتهم عليه ، وكان هذا التحوّل في مسار المشرّعات وحياة المسلمين هو الذي حدا بابن عباس أن يوقف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عليه ، حيث خلا عمر ذات يوم فجعل يحدّث نفسه ، فأرسل إلى ابن عباس فقال : كيف تختلف هذه الأمة وكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة؟
قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين أنا أنزل علينا القرآن فقرأناه ، وعلمنا فيما نزل ، وإنه يكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن لا يعرفون فيم نزل ، فيكون لكل قوم رأي ، فإذا كان لكلّ قوم رأي اختلفوا ، فإذا اختلفوا اقتتلوا ، فزبره عمر وانتهره ، وانصرف ابن عباس ، ثمّ دعاه بعد ، فعرف الذي قال ، ثم قال : إيها أعد (١).
وهكذا حدث بالفعل ، فقد اختلف الصحابة فيما يعرفون وفيما لم يعرفوا ،
__________________
(١) كنز العمال ٢ : ٣٣٣ / الحديث ٤١٦٧.