والأموال (١) ..
ومن ذلك قتل أسامة بن زيد لمرداس بن نهيك ـ مع بداهة حرمة دم المسلم ـ بعد أن كبّر ونطق بالشهادتين ، فقتله أسامة وساق غنمه بدعوى أنه أسلم خوفا من السيف ، فلمّا علم رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله بفعله قال : قتلتموه إرادة ما معه؟! ثمّ قرأ قوله تعالى (وَلٰا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقىٰ إِلَيْكُمُ السَّلٰامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ، تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا) (٢).
ومن ذلك قول رجل من الأنصار في قسمة كان قسمها النبي صلىاللهعليهوآله ، واللّٰه إنها لقسمة ما أريد بها وجه اللّٰه .. فشق ذلك على النبي صلىاللهعليهوآله وتغيّر وجهه وغضب .. ثمّ قال : قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر (٣).
ومن العجيب أنّ هذا الاتجاه كان يمارس فكرته المغلوطة حتّى فيما رخّص به رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، وذلك أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رخّص في أمر فتنزّه عنه ناس ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآله فغضب ، ثمّ قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ، فو اللّٰه إني لأعلمهم وأشدهم خشية (٤).
والأنكى من ذلك أنّ بعض روّاد هذا الاتجاه راحوا يؤذون النبي صلىاللهعليهوآله في عرضه وأزواجه ، حتّى قال طلحة وعثمان : أينكح محمّد نساءنا إذا متنا ولا ننكح نساءه إذا مات؟! لو مات لقد أجلنا على نسائه بالسهام ، وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد أم سلمة ، فأنزل سبحانه قوله (مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّٰهِ وَلٰا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (٥).
__________________
(١) الكامل في التاريخ المجلّد : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٧٠ ـ ٧٨.
(٢) أنظر تفسير الفخر الرازي ١١ : ٣ ، والكشاف ١ : ٥٥٢ ، وتفسير ابن كثير ١ : ٨٥١ ـ ٨٥٢. والآية : ٩٤ من سورة النساء.
(٣) صحيح البخاري / كتاب الآداب ـ باب الصبر على الأذى ٨ : ٣١.
(٤) صحيح البخاري / كتاب الآداب ـ باب من لم يواجه الناس بالعتاب ٨ : ٣١.
(٥) الأحزاب : ٥٣ ، عن السدي في تفسير الآية الدر المنثور ٥ : ٢١٤ ، الطرائف ٢ : ٤٩٣.