للأمصار في إتيان ذلك (١)!! قال ابن قدامة في كتاب المغني : «ونسبت التراويح إلى عمر بن الخطّاب رضي اللّٰه عنه ، لأنّه جمع الناس على أبيّ بن كعب ، فكان يصلّيها بهم ، فروى عبد الرحمن بن عبد القاري قال : خرجت مع عمر ليله في رمضان فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : اني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثمّ خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، فقال : نعمت البدعة هذه» (٢).
وهذا خطأ ، لأن صلاة التراويح إنما نسبت إلى عمر لأنه أول من شرعها جماعة وفي المسجد مخالفا بذلك صريح قول النبي صلىاللهعليهوآله المتقدم من أن الصلاة في المسجد جماعة إنما هي للمكتوبة لا لغيرها ، فإن خبر زيد بن ثابت وغيره يكذب دعوى ابن قدامة هذه ، ويكذبها أيضا قول عمر نفسه : (نعمت البدعة هذه) ، وكذا كتابته إلى البلدان والأمصار آمرا بنشرها.
نعم ، إن عمر بن الخطاب شرّع أمرا لم يكن شرعيا على عهد رسول اللّٰه صلىاللهعليهوآله ، فأراد تطبيقه بتعميم كتاب إلى الأمصار!! وبعد هذا فلا يستبعد أن ينسب إلى أعيان الصحابة أقوالا توافق رأي الخليفة وتقوي ما ذهب اليه ، حتى نراهم في بعض تلك النصوص يشيرون إلى خصوصيّات خاصّة منسوبة إلى بعض الصحابة كي يؤكدوا النسبة إليه ، فمن ذلك ما رواه عرفجة الثقفي بقوله : كان عليّ بن أبي طالب يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء اماما ، فكنت أنا إمام النساء (٣)!! وعن أبي عبد الرحمن السلميّ وغيره : إن عليا قام بهم في رمضان (٤)!! فإنهم جاءوا بهذه الأخبار ليضعّفوا الأخبار الأخرى الثابتة عنه في عدم
__________________
(١) انظر الكامل في التاريخ ٢ : ٤٨٩.
(٢) المغني ، لابن قدامه ١ : ٨٣٤.
(٣) المجموع ، للنووي ٤ : ٣٤.
(٤) المبسوط ، للسرخسي ٢ : ١٤٥.