يونس عليه السلام ثلاث مرات فوقع وقد وكل به الحوت ، فلما وقع ابتلعه فأهوى به إلى قرار الأرض ، فسمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) قال ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل ، قال : فنبذ (بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) قال : كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، فكان يستظل بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها حين يبست ، فأوحى الله إليه : أتبكي علي شجرة أن يبست ، ولا تبكي على (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) أردت أن تهلكهم؟ فخرج فإذا هو بغلام يرعى غنما فقال : ممن أنت يا غلام؟ قال : من قوم يونس قال : فإذا رجعت إليهم ، فأقرئهم السلام وأخبرهم أنك لقيت يونس ، فقال له الغلام : إن تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم يكن له بينة قتل ، فمن يشهد لي قال : تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة. فقال الغلام ليونس : مرهما فقال لهما يونس عليه السلام إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا : نعم. فرجع الغلام إلى قومه ، وكان له إخوة فكان في منعة ، فأتى الملك فقال : إني لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام ، فأمر به الملك أن يقتل فقال : إن له بينة ، فأرسل معه ، فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام : نشدتكما بالله هل أشهدكما يونس؟ قالتا : نعم فرجع القوم مذعورين يقولون : تشهد لك الشجرة والأرض! فأتوا الملك ، فحدثوه بما رأوا فتناول الملك يد الغلام فأجلسه في مجلسه وقال : أنت أحق بهذا المكان مني وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة (١).
[١٨٢٨١] حدثنا أبو عبيد الله ابن أخى ابن وهب ، حدثنا عمي ، حدثنا أبو صخر : أن يزيد الرقاشي حدثه : أنه سمع أنس بن مالك ـ ولا أعلم إلا أن أنسا يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يونس النبي صلى الله عليه وسلم حين بدا له أن يدعو بهذه الكلمات ، وهو في بطن الحوت ، فقال : «اللهم ، (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)» فأقبلت الدعوة تحف بالعرش ، قالت الملائكة : يا رب هذا صوت ضعيف معروف من بلاد بعيدة غريبة؟ فقال : أما تعرفون ذلك؟ قالوا : يا رب ، ومن هو؟ قال : عبدي يونس قالوا : عبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ، ودعوة مستجابة؟ قالوا : يا رب ، أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه من البلاء؟ قال : بلى. فأمر الحوت فطرحه بالعراء (٢).
__________________
(١) الدر ٧ / ١٢٤.
(٢) ابن كثير ٧ / ٣٤.