لا ينساها لطلحة قال : فلما سلمت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وهو يبرق وجهه من السرور أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك ، فقلت : أمن عند الله يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سرّ وجهه استنار حتى كأنه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ، إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله ، فقال : أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت : يا رسول الله ، إن الله إنما انجاني بالصدق ، وإنّ من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت ، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني ، والله ما تعمدت من كذبة منذ ذكرت ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلي يومي هذا ، وإني لأرجو أن يعصمني الله فيما بقي.
قال كعب : وأنزل الله على رسوله (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) قال كعب بن مالك : فو الله ما أنعم الله علىّ من نعمة بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه ، فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل وحيه شر ما قال لأحد ، فقال تبارك وتعالى اسمه (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ). قال كعب : وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلي الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم ، واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه ، فلذلك قال الله عز وجل (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) وليس الذي ذكر الله مما خلفنا لتخلفنا عن الغزو ، إنما هو تخليفه إيانا ، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه ، فقبل منهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ (١).
__________________
(١) البخاري كتاب المعازي ٦ / ٣ ـ ٩ ، مسلم كتاب التوبة.