الضّمير ما وقع قط نكرة وهو دائما معرفة والذي يدلّ على ذلك أنّ علامات التّنكر لا يحسن دخولها عليه ، بل فيها إبهام تبيّنه هذه الحروف ، كالتاء في «أنت» فإن الضّمير هو «أن» وهو مبهم و «التاء» تبيّنه فإن كانت مفتوحة دلّت على أنّه للمذكّر وإن كانت مكسورة دلّت على أنه للمؤنث .. وكذلك في «إياك» إذ جعلت هذه الأحرف مبيّنة لذلك الإبهام ، وكما لا يجوز أن يكون «أن» مضافا إلى «التاء» في «أنت» فكذلك لا يجوز أن يقال : إن «إيّا» مضاف إلى لواحقه.
٤ ـ وذهب المبرّد إلى أنّ «إيّا» اسم مبهم أضيف للتّخصيص ولا يعلم اسم مبهم أضيف غيره. فالجواب عن ذلك أن الاسم المبهم معرفة والمعرفة لا تضاف.
٥ ـ وذهب الزّجاج إلى أنّه اسم ظاهر خصّ بالإضافة إلى سائر المضمرات التي تقع في محل جرّ. فذلك باطل أيضا ، لأنه لو كان كذلك لما اقتصر على لفظ واحد ولا على نوع واحد من الإعراب وهو النّصب ، وباقتصاره على النّصب دلّ على أنه ضمير ، إذ لا يعرف اسم ظاهر اقتصر على ضرب واحد من الإعراب إلا ما اقتصر فيه على الظّرفيّة ، مثل : «ذات مرة ، وبعيدات ، وبين» وعلى المصدريّة ، مثل : «سبحان ، ومعاذ» وليس «إيا» ظرفا ولا مصدرا فيلحق بهذه الأسماء.
٦ ـ وحكي عن الخليل أنّ العرب قالوا بإضافته إلى الظّاهر في مثل : «إذا بلغ الرّجل السّتين فإيّاه وإيّا الشّواب». فقد ذكر سيبويه في «الكتاب» أنه لم يسمع ذلك من الخليل إنّما قال : حدّثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول : «إذا بلغ الرجل السّتّين فإياه وإيّا الشّواب» وهي رواية شاذّة لا يعتدّ بها ، وكأنه لما رأى آخره يتغيّر كتغيّر المضاف والمضاف إليه أجراه مجراه.
٧ ـ ثم إنّ هذه الرّواية هي حجّة على من يزعم أنه اسم ظاهر خصّ بالإضافة إلى سائر المضمرات التي تقع في محل جرّ ، وهو ما ذهب إليه الزّجاج ، فما ذهب إليه باطل ، لأن «إيّا» أضيف إلى الظّاهر وهو «الشّواب». والذّي يدلّ على أنه ليس باسم ظاهر أنّه لو كان كذلك لجاز أن يقال : «ضربت إيّاك» ، كما يقال : ضربت زيدا فلما لم يجز ذلك دلّ على أنه ليس باسم مظهر. وأما قول الشاعر :
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت |
|
إيّاهم الأرض في دهر الدّهارير |
ففيه «إيّا» ضمير منفصل عن الفعل للضّرورة الشعريّة والقياس هو القول : ضمنتهم الأرض.
ومثل ذلك قول الشاعر :
أتتك عنس تقطع الأراكا |
|
إليك حتى بلغت إياكا |
وفيه جاء الضّمير منفصلا للضّرورة الشّعرية أيضا والقياس القول : بلغتك ، ويقول الزّجاج إن «إيّاك» ليست مفعولا به إنّما هي توكيد لضمير متّصل محذوف يقع مفعولا به لبلغت ، والتقدير :بلغتك إيّاك وما هذا إلا للتخلص من ضرورة والوقوع بضرورة أخرى ، لأن حذف المؤكّد وبقاء التّوكيد مما لا يجوز.
إيّاك
اصطلاحا : ضمير منفصل يقع مفعولا به لفعل محذوف تقديره : احذر. فلا تقول : «إيّاك أن تفعل» قال ابن برّي : الممتنع عند النّحويّين :«إياك الأسد» فلا بدّ في مثله من الواو ، فأمّا «إيّاك أن تفعل» فجائز على أن تجعله مفعولا لأجله أي :«مخافة أن تفعل» ، وعند اللّغويين لا بدّ في مثل هذا من الواو والعلة في ذلك : أن لكل من «إيّاك»