التّقدير : فمهما يكن من شيء فسعيد راسب ؛ وهذا يعني أنه حذفت أداة الشرط «مهما» مع فعل الشرط وأقيمت «أمّا» مكانها وتأخّر موضع «الفاء» لإقامة اللّفظ والمعنى ، فتكتب أمّا سعيد فراسب ، وكقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(١) أي : يقال لكم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا .. وكقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)(٢).
وتستعمل غالبا «إمّا» للتّفصيل كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا)(٣) وقد تأتي لغير التّفصيل مثل : «أمّا سمير فناجح» ولها استعمالات عدّة منها :
١ ـ وجوب اقتران جوابها بالفاء ، مثل قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(٤) وقد تحذف «الفاء» من جواب «أمّا» للضّرورة الشّعريّة ، كقول الشاعر :
فأمّا القتال لا قتال لديكم |
|
ولكنّ سيرا في عراض المواكب |
والتّقدير : فأما القتال فلا قتال لديكم ، وقد تحذف بغير الضّرورة الشعريّة وهذا نادر ، مثل حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم : «أمّا بعد ، ما بال الرّجال».
والتّقدير : فما بال الرّجال ، وقد تحذف في القول المحكيّ كقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ)(٥) والتّقدير : فيقولون لهم ذوقوا العذاب.
٢ ـ أن لا يفصل بين أمّا والفاء إلا جملة دعاء ، وأن يفصل بين «أمّا» والدعاء فاصل ، مثل : «أمّا سمير ، رعاه الله ، فناجح».
٣ ـ يجب أن يكون بعدها اسم دائما ، وذلك لأنها تقوم مقام أداة الشرط وفعله ؛ وقد يكون هذا الاسم مبتدأ ، مثل : «أمّا سمير فناجح» أو خبرا ، مثل : «أمّا ناجح فسمير» أو مفعولا به مقدّم ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٦) أو مفعولا به لفعل محذوف يفسّره الفعل الظّاهر مثل : «أمّا سميرا فزرته» والتّقدير : زرت سميرا زرته. أو ظرفا ، مثل : «أما اليوم فزرت سميرا» أو اسما مجرورا كقوله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٧) أو مشتقا يقع حالا ، مثل : «أمّا ماشيا فسمير قادم» أو مفعولا مطلقا ، مثل : «أمّا الضّرب فزيد ضارب» أو مفعولا لأجله ، مثل : «أمّا العلم فعالم» أو شرطا ، مثل قوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ)(٨).
٤ ـ يجوز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (٩) فكلمة «اليتيم» : مفعول به لفعل «تقهر» الواقع بعد «الفاء» الرّابطة لجواب أمّا.
__________________
(١) من الآية ١٠٦ من سورة آل عمران.
(٢) من الآيات ٥ ـ ١٠ من سورة الليل.
(٣) من الآية ٢٦ من سورة البقرة.
(٤) من الآية ٩ من سورة الضّحى.
(٥) من الآية ١٠٦ من سورة آل عمران.
(٦) من الآيتين ٩ و ١٠ من سورة الضّحى.
(٧) من الآية ١١ من سورة الضّحى.
(٨) من الآيتين ٨٨ و ٨٩ من سورة الواقعة.